المسلمون على أن القرآن أفضلها، كما قال - تعالى - {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [1] أي هو المؤتمن، والشاهد، والحاكم، على ما سبقه من الكتب.
وأما الأحاديث فكثيرة، من جملتها هذا الحديث، ومن تأمل كلام السلف، ومن سار على نهجهم، علم أن هذا من الأمور المستقرة في نفوسهم، ولم يعرف من السلف من قال: لا يكون كلام الله بعضه أشرف من بعض؛ لأنه كله من صفات الله، وإنما حدث ذلك لما ظهرت البدع من المعتزلة، والجهمية، ومن سلك طريقهم، الذين اختلفوا في القرآن، وجعلوه عضين.
وتفاضل الكلام من جهة المتكلم فيه - سواء كان خبراً أو إنشاء - أمر معلوم بالفطرة، والشرع، فليس الخبر المتضمن حمد الله والثناء عليه بأسمائه الحسنى، كالخبر المتضمن لذكر إبليس، وفرعون وأبى لهب، ونحوهم، وإن كان الكل كلاماً عظيماً تكلم الله به.
وكذلك ليس الأمر بالتوحيد، والإيمان بالله ورسله، والنهي عن الشرك وقتل النفس بغير حق، والزنا، وغير ذلك مما أمرت به الشرائع كلها، أو حرمته، كالأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد، أو الأمر بالإنفاق على الحامل، والنهي عن قول: "راعنا" وإن كان لكل واجباً.
وليس تفاضل الكلام باعتبار نسبته إلى المتكلم به، فإنه سبحانه واحد، ولكن باعتبار معانيه التي يتكلم بها، وباعتبار ألفاظه المبينة لمعانيه.
قال شيخ الإسلام: " الكلام له نسبتان: نسبة إلى المتكلم به، ونسبة إلى المتكلم فيه، فهو يتفاضل باعتبار النسبتين، وباعتبار نفسه أيضاً، فـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} كلاهما كلام الله - تعالى -، وهما مشتركان من هذه [1] الآية 48 من سورة المائدة.