إلا حصائد ألسنتهم؟)) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
30- (29) وعن أبي أمامة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمراد هنا الأنف، والاستفهام للنفي، خصهما بالكب لأنهما أول الأعضاء سقوطاً (إلا حصائد ألسنتهم) جمع حصيدة، فعيلة بمعنى مفعولة من حصد إذا قطع الزرع، وهذا إضافة اسم المفعول إلى فاعله، أي محصودات الألسنة، شبه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود بالمنجل، وهو من بلاغة النبوة، فكما أن المنجل يقطع ولا يميز بين الرطب واليابس والجيد والرديء، فكذلك لسان بعض الناس يتكلم بكل نوع من الكلام حسناً وقبيحاً، والمعنى: لا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم من الكفر والشرك والقول على الله بغير علم وشهادة الزور والسحر والقذف والشتم والكذب والغيبة والنميمة والبهتان ونحوها، وسائر المعاصي الفعلية لا يخلو غالباً من قول يقترن بها يكون معيناً عليها، وهذا الحكم وارد على الأغلب؛ لأنك إذا جربت لم تجد أحداً حفظ اللسان عن السوء ولا يصدر عنه شيء يوجب دخول النار إلا نادراً (رواه أحمد) في مسنده (ج5: ص231) ، (والترمذي) في الإيمان (وابن ماجه) في الفتن، وأخرجه أيضاً النسائي، كلهم من طريق معمر عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ بن جبل، وقال الترمذي: حسن صحيح، قال ابن رجب في شرح الأربعين: وفيما قاله نظر من وجهين: أحدهما أنه لم يثبت سماع أبي وائل من معاذ وإن كان قد أدركه بالسن، وكان معاذ بالشام وأبووائل بالكوفة، ومازال الأئمة كأحمد وغيره يستدلون على انتفاء السماع بمثل هذا، وقد قال أبوحاتم الرازي في سماع أبي وائل من أبي الدرداء: قد أدركه وكان بالكوفة وأبوالدرداء بالشام يعني أنه لم يصح له سماع منه، وقد حكى أبوزرعة الدمشقي عن قوم أنهم توقفوا في سماع أبي وائل من عمر أو نفوه فسماعه من معاذ أبعد، والثاني: أنه قد رواه حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن شهر بن حوشب عن معاذ، خرجه الإمام أحمد مختصراً (ج5: ص248) ، قال الدارقطني: وهو أشبه بالصواب؛ لأن الحديث معروف من رواية شهر على اختلاف عليه فيه. قلت: رواية شهر عن معاذ مرسلة يقيناً، وشهر مختلف في توثيقه وتضعيفه، قد خرجه الإمام أحمد (ج5: ص245) من رواية شهر عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ، وخرجه الإمام أحمد أيضاً (ج5: ص237) من رواية عروة بن النَزال بن عروة وميمون بن أبي شبيب كلاهما عن معاذ، ولم يسمع عروة ولا ميمون عن معاذ، وله طرق أخرى عن معاذ كلها ضعيفة – انتهى.
30- قوله: (وعن أبي أمامة) بضم الهمزة، اسمه صدي – بالتصغير - ابن عجلان بن وهب الباهلي، غلبت عليه كنيته، سكن مصر ثم انتقل منها إلى حمص فسكنها ومات بها، وكان من المكثرين في الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكثر حديثه عند الشاميين، قال له - صلى الله عليه وسلم -: ((أنت مني وأنا منك)) ، ذكره الحافظ في الإصابة (ج2: ص172) ، له مائتا حديث وخمسون حديثاً، روى له البخاري خمسة أحاديث، ومسلم ثلاثة، روى عنه خلق كثير، مات سنة (81) .