قالت عائشة: فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد صلى صلاة إلا تعوذ بالله من عذاب القبر)) . متفق عليه.
129- (5) وعن زيد بن ثابت قال: ((بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حائط لبنى النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه. وإذ أقبر ستة أو خمسة، فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ قال رجل: أنا. قال: فمتى ماتوا؟ قال: في الشرك. فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بأن الآية المقدمة مكية، وهي قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنو} وكذا قوله تعالى: {النار يعرضون عليها غدواً وعشياً} [46:40] ، والجواب أن عذاب القبر إنما يؤخذ من الأولى بطريق المفهوم في حق من لم يتصف بالإيمان، وبالمنطوق في حق الظالمين أي الكافرين، وكذلك بالمنطوق في الأخرى في حق آل فرعون، وأن التحق بهم من كان له حكمهم من الكفار، فالذي أنكره النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو وقوع عذاب القبر على الموحدين. ثم أعلم - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك قد يقع على من يشاء الله منهم فجزم به، وحذر منه، وبالغ في الاستعاذة منه تعليماً لأمته وإرشاداً، فانتفى التعارض – انتهى. (بعد) مبني على الضم أي بعد سؤالي ذلك (إلا تعوذ بالله من عذاب القبر) داخل الصلاة وخارجها. قال القاري: والأول أظهر، ومن ثم أوجب ذلك بعض العلماء. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الجنائر، ومسلم في الصلاة، وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي.
129- قوله: (في حائط) متعلق بخبر محذوف أي كائن في بستان (على بغلة له) حال من المستتر في الخبر. (ونحن معه) حال متداخله؛ لأنه حال من الضمير في الحال (إذ حادت) بالحاء المهملة، أي مالت ونفرت؛ لأنها سمعت صوت المعذبين في القبور، فقد ثبت أن البهائم تسمع أصوات المعذبين في القبر، كما في حديث أبي سعيد عند أحمد: ((يسمعه كل دابة إلا الثقلين)) ، وفي حديث أم مبشر عند أحمد أيضاً: ((يسمعه البهائم)) ، وفي حديث ابن مسعود عند الطبراني في الكبير: ((إن البهائم تسمع أصواتهم)) . (به) أي متلبسة به فـ"به" حال و"إذ" بسكون الذال للمفاجأة بعد بينا. (وإذ أقبر) بفتح فسكون فضم، وإذا بالألف للمفاجأة، والواو للحال، أي نحن على ذلك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا أقبر، أي ظهرت لنا قبور معدودة فاجأناها. (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا كنت تعرفهم (فمتى ماتوا) أي في الجاهلية أو بعدها، مشركين أو مؤمنين؟ (قال) أي الرجل (في الشرك) أي في زمنه، أو صفته (إن هذه الأمة) أي جنس الإنسان، فهذه إشارة لما في الذهن، وخبره بيان له، كهذا أخوك. وأصل الأمة كل جماعة يجمعهم أمر واحد، إما دين، أو زمان، أو مكان. (تبتلى) بصيغة المجهول، أي تمتحن ثم تنعم أو تعذب (فلولا أن لا تدافنوا) بحذف إحدى التائيين، أي تتدافنوا، أي لو سمعتم ذلك تركتم التدافن من خوف الفضيحة في القرائب لئلا يطلع على أحوالهم. وقال ابن حجر: