وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها)) ، روى الأحاديث الثلاثة الدارقطني.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عند الحدود يقتضي أنه لا يخرج عما أذن فيه إلى ما نهي عنه، وذلك أعم من كون المأذون فيه فرضاً أو ندباً أو مباحاً. وحينئذٍ فلا تكرار في هذا الحديث. وقال القاري: هذه الجملة كالتقرير والتأكيد للقسمين المتقدمين. (وسكت عن أشياء) أي ترك ذكر أشياء أي حكمها من الحرمة والحل والوجوب، وهو محمول على ما انتفى فيه دلالة النص على الحكم بجميع وجوهها المعتبرة، فيستدل حينئذٍ بعدم ذكره بإيجاب أو تحريم أو تحليل، على أنه معفو عنه لا حرج على فاعله ولا على تاركه. (فلا تبحثوا عنها) هذا يحتمل اختصاص النهي بزمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن كثرة البحث والسؤال عما لم يذكر قد يكون سبباً لنزول التشديد فيه بإيجاب أو تحريم، ويحتمل أن يكون النهي عاماً، فإن كثرة البحث والسؤال عن حكم ما لم يذكر في الواجبات ولا في المحرمات قد يوجب اعتقاد تحريمه، أو إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات أو المحرمات، فقبول العافية وترك البحث عنه والسؤال خير. وهذا هو الراجح. وليس المراد من البحث المنهي عنه ما يفعله المجتهدون في معرفة الأحكام الشرعية من البحث عن دخول الشيء في دلالات النصوص الصحيحة من الفحوى والمفهوم والقياس الظاهر الصحيح، فإنه حق يتعين فعله على المجتهد، وبالجملة فالحديث يقتضي أن الأصل في الأشياء الإباحة والحل. وقد حكى بعضهم الإجماع على ذلك. وهذا الحديث من رواية مكحول عن أبي ثعلبة، قال ابن رجب: وله علتان؛ أحدهما أن مكحولا لم يصح له السماع عن أبي ثعلبة، كذلك قال أبوشهر الدمشقي، وأبونعيم الحافظ وغيرهما. والثانية أنه اختلف في رفعه ووقفه، ورواه بعضهم عن مكحول عن قوله، لكن قال الدارقطني: الأشبه بالصواب المرفوع، قال: وهو أشهر، وقد حسنه النووي أي في أربعينه، وكذلك حسن قبله أبوبكر السمعاني في أماليه- انتهى. وأخرجه أيضاً إسحق بن راهويه، والطبراني في الكبير، وأبونعيم في الحلية، والبيهقي في السنن، وروى معناه مرفوعاً من حديث أبي الدرداء، أخرجه البزار في مسنده والحاكم. قال البزار: إسناده صالح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ومن حديث سلمان الفارسي، أخرجه الترمذي في اللباس، وابن ماجه في الأطعمة، وسنده ضعيف، وأيضاً اختلف في رفعه ووقفه، وإرساله ووصله، والراجح وقفه. ومن حديث ابن عمر، أخرجه ابن عدى، وضعف إسناده. ومن حديث ابن عباس، أخرجه أبوداود في الأطعمة لكنه موقوف.