قال: يا رسول الله! أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذاً يتكلوا)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن الموحد يعمل بالطاعات ويجتنب المعاصي، ومنها أن ذلك لمن قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها ليكون الامتثال والانتهاء مندرجين تحت الشهادة، وهذا قول الحسن، ومنها أن المراد تحريم جملته؛ لأن النار لا تأكل موضع السجود من المسلم وكذا لسانه الناطق بالتوحيد، ومنها أن معناه حرمه الله على النار الشديدة المؤبدة التي أعدها للكافرين وإن عمل الكبائر، وقد أوضحه الشاه ولي الله في حجة الله، ومنها أن ذلك يختص لمن أخلص، والإخلاص يقتضي تحقيق القلب بمعناها، ولا يتصور حصول التحقيق مع الإصرار على المعصية لامتلاء القلب بمحبة الله تعالى وخشيته، فتنبعث الجوارح إلى الطاعة وتنكف عن المعصية، ومنها ما قاله الطيبي: إن قوله صدقاً أقيم هنا مقام الاستقامة؛ لأن الصدق يعبر به قولاً عن مطابقة القول المخبر عنه، ويعبر به فعلاً عن تحري الأخلاق المرضية كقوله تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به} [39: 32] ، أي حقق ما أورده قولاً بما تحراه فعلاً – انتهى. وحاصل ما قال: إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة، قال ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن لمعاذ في التبشير به، ومنها أنه مقيد بوجود شرائط وارتفاع موانع كما ترتب الأحكام على أسبابها المقتضية المتوقفة على انتفاء الموانع، فإذا تكامل ذلك عمل المقتضى علمه، وإنما يذكر الكلام في مواقع الوعد والبشارة مرسلاً مع كون الشرائط والموانع معتبرة وملحوظة هناك لظهوره، ولأن المناسب للبشارة الإجمال والإبهام، فلا يتعرض فيها لتحقق الشرائط وانتفاء الموانع واستيفاء الأمور الواجبة، والحاصل أن الامتثال بالطاعات والاجتناب عن المعاصي مراعى هاهنا، وإن لم يذكر في العبارة، وهذا لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد كان فرغ من ذكر أكثر الفرائض والمناهي، وتفصيلها واحدة واحدة، والترغيب في الطاعات طاعة طاعة، والترهيب في المعاصي معصية معصية؛ لأن مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة كما رواه مسلم، وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض، كذا ورد نحوه من حديث أبي موسى رواه أحمد بإسناد حسن، وكان قدومه في السنة التي قدم فيها أبوهريرة، فاستغنى عن ذكرها في كل مرة؛ لأنه قد بين لهم أن الأعمال الصالحة لابد منها في الإيمان، وأن المعاصي مضرة موجبة لسخط الله، فحصلت غنية عن تكريرها في كل موضع لكون المعلوم كالمذكور، وإنما خص كلمة الشهادتين بالذكر من بين أجزاء الإيمان لكونها أصلاً وأساساً للكل ومداراً للحياة الأبدية، وحاصل الكلام أن تحريم النار وإن حصل بالمجموع لكنه خص من هذا المجموع ما كان أهم من بينها وهو الكلمة، فهي كأصل الشجرة فإنه لا حياة لها بدون الأصل، وهو أحسن الأجوبة عندي، وهو نحو قول الحسن البصري. (فيستبشروا) بحذف النون؛ لأن الفعل ينصب بعد الفاء المجاب بها بعد النفي والاستفهام والعرض والتقدير: فأن يستبشروا أي يفرحوا بأن يظهر أثر السرور على بشرتهم (إذاً يتكلوا) بتشديد المثناة الفوقية وكسر الكاف، وإذا حرف جواب وجزاء، وقد يستعمل لمحض الجواب كما هنا، أي لا تخبرهم بذلك لأنك إن أخبرتهم يعتمدوا على الكلمة والفرائض ويتركوا فضائل الأعمال وفواضلها من السنن والنوافل فينجروا