فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً)) متفق عليه
26- (25) وعن أبي ذر قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى نقصان درجاتهم وتنَزل حالاتهم، وهذا حكم الأغلب من العوام وإلا فالخواص كلما بشروا ازدادوا في العبادة، فتضمن هذا الحديث أنه يخص بالعلم قوم فيهم الضبط وصحة الفهم، ولا يبذل المعنى اللطيف لمن لا يستأهله، ومن يخاف عليه الترخص والاتكال لتقصير فهمه. (فأخبر بها) أي بهذه البشارة (عند موته) أي موت معاذ (تأثماً) مفعول له، وهو بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة، أي تجنباً وتحرزاً عن الوقوع في إثم كتمان العلم، إذ في الحديث: ((من كتم علماً ألجم بلجام من نار)) ، فإن قلت: سلمنا أنه تأثم من الكتمان، فكيف لا يتأثم من مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التبشير؟ أجيب بأن النهي كان مقيداً بالاتكال، فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك، وإذا زال القيد زال المقيد، أو أن معاذاً عرف أنه لم يكن المقصود من النهي التحريم بل هو محمول على التنْزيه وإلا لما كان يخبر به أصلاً، والحاصل أنه اطلع على أن النهي للمصلحة لا للتحريم، فلذلك أخبر لعموم الآية بالتبليغ، والله أعلم (متفق عليه) أخرجه البخاري في أواخر العلم، ومسلم في الإيمان، وهو من مسند أنس، ذكر فيه حكم الشهادتين، والذي قبله من مسند معاذ، ذكر فيه ما يتعلق بحق الله على العباد، قال الحافظ في شرح حديث معاذ المتقدم في باب اسم الفرس والحمار من كتاب الجهاد ما لفظه: تقدم في العلم من حديث أنس بن مالك أيضاً لكن فيما يتعلق بشهادة أن لا إله إلا الله، وهذا فيما يتعلق بحق الله على العباد، فهما حديثان، ووهم الحميدي ومن تبعه حيث جعلوهما حديثاً واحداً، نعم وقع في كل منهما منعه - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر بذلك الناس لئلا يتكلوا، ولا يلزم من ذلك أن يكونا حديثاً واحداً، وزاد في الحديث الذي في العلم: فأخبر به معاذ عند موته تأثماً، ولم يقع ذلك هنا – انتهى.
26- قوله: (عن أبي ذر) الغفاري الزاهد المشهور الصادق اللهجة، في اسمه أقوال أشهرها جندب بن جنادة، كان من كبار الصحابة قديم الإسلام، يقال: أسلم بمكة بعد أربعة فكان خامساً في الإسلام ثم انصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة بعد الخندق، وله في إسلامه خبر حسن ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب، والحافظ في الإصابة، روي مرفوعاً: ((ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر)) ، حسنه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال أبوداود: كان يوازي ابن مسعود في العلم، ومناقبه وفضائله كثيرة جداً، روي له مائتا حديث وأحد وثمانون حديثاً، اتفقا على اثني عشر، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بتسعة عشر، سكن الربذة إلى أن مات بها سنة (32) في خلافة عثمان، وكان يتعبد قبل أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، روى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين. (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوب أبيض) حال من النبي - صلى الله عليه وسلم - (وهو نائم) عطف على الحال (ثم أتيته وقد استيقظ) حال من الضمير المنصوب، وفائدة ذكر الثواب والنوم والاستيقاظ تقرير التثبت والإتقان فيما يرويه في