responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 1  صفحه : 105
الْعُقْبَى كَالْجَنَّةِ، فَفِيهِ تَشْبِيهُ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ أَنَّ مَثَلَهُ اسْتِعَارَةٌ، فَمَنْ كَانَ الصَّوْمُ جُنَّتَهُ سَدَّ طُرُقَ الشَّيَاطِينِ عَنْ قَلْبِهِ فَيَكْشِفُ بَعْدَ إِزَالَةِ ظُلْمَتِهِمْ، يَرَى بِنُورِ الْغَيْبِ خَزَائِنَ لَطَائِفِ حُكْمِ الصِّفَاتِ فَيَسْتَتِرُ بِأَنْوَارِهَا عَنْ جَمِيعِ الْمُخَالَفَاتِ وَالْآفَاتِ. ( «وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ» ) أَيِ الَّتِي تَجُرُّ إِلَى النَّارِ. يَعْنِي تُذْهِبُهَا وَتَمْحُو أَثَرَهَا أَيْ إِذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا كَانَتْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَتَدْفَعُ تِلْكَ الْحَسَنَةَ إِلَى خَصْمِهِ عِوَضًا عَنْ مَظْلِمَتِهِ ( «كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ» ) لِتَنَافِي آثَارِهِمَا بِإِيجَادِ اللَّهِ تَعَالَى سُبْحَانَهُ، إِذِ الْأَشْيَاءُ لَا تَعْمَلُ بِطَبْعِهَا، فَلَا الْمَاءُ يُرْوَى، وَلَا الْخُبْزُ يُشْبِعُ، وَلَا النَّارُ تُحْرِقُ. (وَصَلَاةُ الرَّجُلِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ (فِي جَوْفِ اللَّيْلِ) كَذَلِكَ، أَيْ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، أَوْ هِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَدَّرَ الْخَبَرُ شِعَارَ الصَّالِحِينَ كَمَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ (ثُمَّ تَلَا) أَيْ قَرَأَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} [السجدة: 16] أَيْ تَتَبَاعَدُ، وَفِي النِّسْبَةِ مُبَالَغَةٌ لَا تَخْفَى {عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] أَيِ الْمَفَارِشِ وَالْمَرَاقِدِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاةُ التَّهَجُّدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ إِحْيَاءُ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [السجدة: 16] بِالصَّلَاةِ، وَالذِّكْرِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالدُّعَاءِ {خَوْفًا} [السجدة: 16] مِنْ سَخَطِهِ {وَطَمَعًا} [السجدة: 16] فِي رَحْمَتِهِ {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} [السجدة: 16] وَبَعْضِ مَا أَعْطَيْنَاهُمْ {يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16] يَصْرِفُونَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ أَيْ أَنَّهُمْ جَامِعُونَ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ، عَابِدُونَ زَاهِدُونَ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ} [السجدة: 17] أَيْ لَا مَلِكَ وَلَا نَبِيَّ {مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} [السجدة: 17] جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ مَاضٍ مَجْهُولٌ، وَقُرِئَ بِهَمْزَةٍ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ الْمَعْلُومِ {مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] مِنَ اللَّذَّاتِ الَّتِي تَقَرُّ أَعْيُنُهُمْ، وَتَشْتَهِيهِ أَنْفُسُهُمْ، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: ( «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بِشْرٍ» ) (حَتَّى بَلَغَ يَعْمَلُونَ) وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] أَيْ جُوزُوا جَزَاءً بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمْ وَبِمُقَابَلَةِ أَفْعَالِهِمْ وَمُوَافَقَةٍ لِأَحْوَالِهِمْ. (ثُمَّ قَالَ) أَيْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( «أَلَا أَدُلُّكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ» ) أَيْ مُخْبِرًا بِأَصْلِ كُلِّ أَمْرٍ (وَعَمُودِهِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، أَيْ مَا يَقُومُ بِهِ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ (وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ؟) : الذِّرْوَةُ بِكَسْرِ الذَّالِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَبِضَمِّهَا، وَحُكِيَ فَتْحُهَا - أَعْلَى الشَّيْءِ، وَالسَّنَامُ - بِالْفَتْحِ - مَا ارْتَفَعَ مِنْ ظَهْرِ الْجَمَلِ قَرِيبَ عُنُقِهِ ( «قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ» ) أَيْ أَمْرُ الدِّينِ (الْإِسْلَامُ) يَعْنِي الشَّهَادَتَيْنِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ الْمَقْلُوبِ؛ إِذِ الْمَقْصُودُ تَشْبِيهُ الْإِسْلَامِ بِرَأْسِ الْأَمْرِ؛ لِيَشْعُرَ بِأَنَّهُ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ فِي احْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ وَعَدَمِ بَقَائِهِ دُونَهُ (وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ) : يَأْتِ الْإِسْلَامُ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ وَكَمَالٌ كَالْبَيْتِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَمُودٌ، فَإِذَا صَلَّى وَدَاوَمَ قَوِيَ دِينُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رِفْعَةٌ، فَإِذَا جَاهَدَ حَصَلَ لِدِينِهِ رِفْعَةً، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ) وَفِيهِ إِشْعَارٌ إِلَى صُعُوبَةِ الْجِهَادِ وَعُلُوِّ أَمْرِهِ وَتَفَوُّقِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ، وَالْجِهَادُ مِنَ الْجَهْدِ - بِالْفَتْحِ - وَهُوَ الْمَشَقَّةُ، أَوْ بِالضَّمِّ وَهُوَ الطَّاقَةُ؛ لِأَنَّهُ يَبْذُلُ الطَّاقَةَ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ عِنْدَ فِعْلِ الْعَدُوِّ مِثْلَ ذَلِكَ، أَوْ بِضَمِّ جُهْدِهِ إِلَى جُهْدِ أَخِيهِ فِي نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ كَالْمُسَاعَدَةِ، وَهِيَ ضَمُّ سَاعِدِهِ إِلَى سَاعِدِ أَخِيهِ لِتَحْصِيلِ الْقُوَّةِ، وَلَهُ أَنْوَاعٌ مِنْ جِهَادِ الْأَعْدَاءِ لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَجِهَادُ النَّفْسِ بِحَمْلِهَا عَلَى اتِّبَاعِ الْأَحْكَامِ، وَتَرْكِ الْحُظُوظِ، وَتَكْلِيفِ الْخَصْلَةِ الْمَذْمُومَةِ الْمُفْرِطَةِ خِلَافَ مُقْتَضَاهَا، وَالْعَمَلِ بِنَقِيضِ مُوجِبِهَا حَتَّى اعْتَدَلَتْ وَتَنَاسَقَتْ قُوَّةُ الْعِلْمِ وَالْغَضَبِ وَالشَّهْوَةِ وَالْعَدْلِ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الْأَوَّلِ؛ وَلِذَا وَرَدَ: ( «رَجَعْنَا مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْأَكْبَرِ» ) ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ كَالْمَلِكِ فِي دَاخِلِ الْإِنْسَانِ، وَعَسْكَرُهُ الرُّوحُ الْحَيَوَانِيَّةُ وَالطَّبِيعِيَّةُ وَالْهَوَى وَالشَّهْوَةُ، وَهِيَ فِي نَفْسِهَا عَمْيَاءُ لَا تُبْصِرُ الْمَهَالِكَ، وَلَا تُمَيِّزُ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ إِلَى أَنْ يُنَوِّرَ اللَّهُ بِلَطِيفِ حِكْمَتِهِ بَصِيرَتَهَا، فَتُبْصِرُ الْأَعْدَاءَ وَالْمَعَارِفَ، وَتَجِدُ الْبُنْيَانَ الْإِنْسَانِيَّ مَمْلُوءًا مِنْ خَنَازِيرِ الْحِرْصِ، وَتَكَالُبِ الْكَلْبِ، وَنَمِرِ الْغَضَبِ، وَالشَّهْوَةِ الْحِمَارِيَّةِ، وَحَيَّةِ الشَّيْطَانِ، فَكَنَسَتْهَا مِنَ الرَّذَائِلِ وَزَيَّنَتْهَا بِالْفَضَائِلِ، وَأَمَّا جِهَادُ الْقَلْبِ فَتَصْفِيَتُهُ وَقَطْعُ تَعَلُّقِهِ عَنِ الْأَغْيَارِ، وَجِهَادُ الرُّوحِ بِإِفْنَاءِ الْوُجُودِ فِي وُجُودِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.
(ثُمَّ قَالَ) أَيْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟) : الْمِلَاكُ مَا بِهِ إِحْكَامُ الشَّيْءِ أَوْ تَقْوِيَتُهُ، مِنْ مَلَكَ الْعَجِينَ إِذَا أَحْسَنَ عَجْنَهُ وَبَالَغَ فِيهِ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَكْسِرُونَ الْمِيمَ وَيَفْتَحُونَهَا، وَالرِّوَايَةُ بِالْكَسْرِ، وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَوَّلِ الْحَدِيثِ إِلَى هَذَا مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: " كُلِّهِ "؛ لِئَلَّا يُظَنَّ خِلَافُ الشُّمُولِ، أَيْ بِمَا تَقُومُ بِهِ تِلْكَ

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 1  صفحه : 105
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست