responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 1  صفحه : 160
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] فَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ مُتَلَازِمَانِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ الْقَدَرُ بِمَنْزِلَةِ الْأَسَاسِ، وَالْأَسَاسُ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْقَضَاءُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَخَصُّ مِنَ الْقَدَرِ؛ لِأَنَّهُ الْفَصْلُ بَيْنَ التَّقْدِيرِ وَالْقَدَرِ، وَالْقَضَاءُ هُوَ الْفَصْلُ وَالْقَطْعُ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقَدَرَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَدِّ لِلْكَيْلِ، وَالْقَضَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ، وَهَذَا لِمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعُمْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمَّا أَرَادَ الْفِرَارَ مِنَ الطَّاعُونِ بِالشَّامِ: أَتَفِرُّ مِنَ الْقَضَاءِ؟ قَالَ: أَفِرُّ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْقَدَرَ مَا لَمْ يَكُنْ قَضَاءً فَمَرْجُوٌّ أَنْ يَدْفَعَهُ اللَّهُ، فَأَمَّا إِذَا قُضِيَ فَلَا يَنْدَفِعُ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} [مريم: 21] وَقَوْلُهُ: حَتْمًا مَقْضِيًّا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ صَارَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ، وَهَذَا مُخَالَفَةٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنِ الْقَاضِي فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: الْقَدَرُ كَتَقْدِيرِ النَّقَّاشِ الصُّورَةَ فِي ذِهْنِهِ، وَالْقَضَاءُ كَرَسْمِهِ تِلْكَ الصُّورَةِ لِلتِّلْمِيذِ بِالْأُسْرُبِّ، وَوَضْعِ التِّلْمِيذِ الصِّبْغَ عَلَيْهَا مُتَّبِعًا لِرَسْمِ الْأُسْتَاذِ هُوَ الْكَسْبُ وَالِاخْتِيَارُ، وَالتِّلْمِيذُ فِي اخْتِيَارِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ رَسْمِ الْأُسْتَاذِ كَذَلِكَ الْعَبْدُ فِي اخْتِيَارِهِ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ. (أَوْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ بِهِ) .
قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: كَذَا وَقَعَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ الْأَرْجَحُ مَعْنًى أَيْضًا، لَكِنْ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ بِصِيغَةِ الْمَعْرُوفِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: كَذَا يَعْنِي، أَوْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَكِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ، وَجَامِعِ الْأُصُولِ، وَوَقَعَ فِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ أَمْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ. قِيلَ: عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ لَيْسَ السُّؤَالُ عَنْ تَعْيِينِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ جَوَابَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ قَوْلُهُ: (لَا) غَيْرُ مُطَابِقٍ لَهُ، فَنَقُولُ أَمْ مُنْقَطِعَةٌ، وَأَوْ بِمَعْنَى بَلْ، فَإِنَّ السَّائِلَ لَمَّا رَأَى أَنَّ الرُّسُلَ يَأْمُرُونَ أُمَمَهُمْ، وَيَنْهَوْنَ اعْتَقَدَ أَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ كَمَا زَعَمَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فَأَضْرَبَ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ، وَالْهَمْزَةُ لِلتَّقْدِيرِ وَالْإِثْبَاتِ، فَلِذَلِكَ نَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَثْبَتَهُ وَقَرَّرَهُ، وَأَكَّدَهُ بِبَلْ، وَلَوْ كَانَ السُّؤَالُ عَنِ التَّعْيِينِ لَقَالَ السَّائِلُ أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ أَمْ شَيْءٌ يَسْتَقْبِلُونَهُ؟ وَقِيلَ: كَانَ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْنَا أَمْ شَيْءٌ نَسْتَقْبِلُهُ بِالتَّكَلُّمِ؟ فَغَيَّرَ الْعِبَارَةَ وَعَدَلَ عَنِ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ، وَعَمَّمَ الْأُمَمَ كُلَّهَا، وَأَنْبِيَاءَهُمْ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ مَا قِيلَ مِنَ الْإِضْرَابِ، وَقِيلَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَعْنَى أَمْ شَيْءٌ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَزَلِ، بَلْ هُوَ كَائِنٌ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ مِنَ الزَّمَانِ فِيهِ يَتَوَجَّهُونَ إِلَى الْعَمَلِ، وَيَقْصِدُونَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ تَقْدِيرٍ قَبْلَ ذَلِكَ (مِمَّا أَتَاهُمْ) أَيْ: جَاءَهُمْ (بِهِ نَبِيُّهُمْ) : الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَلَفْظُ مِنْ فِيمَا أَتَاهُمْ بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ: مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، أَوْ بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ: مَا يَسْتَقْبِلُونَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ (وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ) : قَالَ تَعَالَى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149] (فَقَالَ: لَا) أَيْ: لَا تَرَدُّدَ (بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ) أَيْ: قُدِّرَ (عَلَيْهِمْ، وَمَضَى) أَيْ: سَبَقَ فِيهِمْ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ) : إِشَارَةٌ إِلَى مَا ذَكَرَ أَنَّهُ قُضِيَ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَنَفْسٍ) : بِالْجَرِّ عَلَى الْحِكَايَةِ {وَمَا سَوَّاهَا - فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا، وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7 - 8] : وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْآيَةِ أَنَّ أَلْهَمَهَا بِلَفْظِ الْمَاضِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَعْمَلُونَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ قَدْ جَرَى فِي الْأَزَلِ، وَالْوَاوُ فِي (وَنَفْسٍ) لِلْقَسَمِ عَلَى الْمُقْسَمِ بِهِ، وَالْمُرَادُ نَفْسُ آدَمَ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَالتَّنْوِينُ لِلتَّقْلِيلِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ جَمِيعُ النُّفُوسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] فَالتَّنْوِينُ لِلتَّنْكِيرِ، وَمَا فِي (مَا سَوَّاهَا) . بِمَعْنَى مَنْ أَيْ: وَمَنْ خَلَقَهَا يَعْنِي بِهِ ذَاتَهُ تَعَالَى أَيْ: خَلَقَهَا عَلَى أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَزَيَّنَهَا بِالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ، وَفِي الْحَدِيثِ: ( «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا فَأَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا، وَمَوْلَاهَا» ) . (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 1  صفحه : 160
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست