- د -
هديه الله صلى الله عليه وسلم في العبادات كلها، ومنها (الجنائز) بسبب انصرافهم عن دراسة العلم، ولا سيما علم الحديث والسنة، وانكبابهم على العلوم المادية، والعمل لجمع المال، فقد طلب مني بعض الاعزاء بمناسبة وفاة إحدى قريباته يوم الجمعة الواقع في 11 ربيع الآخر سنة 1373هـ، أن أضع رسالة مختصرة في " آداب الجنائز في الإسلام "، ليقوم هو أو غيره بطبعها وتوزيعها على المجتمعين للتعزية في أيامها المعتادة عندهم، مغتنما فرصة اجتماعهم لتعريفهم بسنة نبهيم حتى يستنوا بها، ويهتدوا بهديها ويستنيروا بنورها.
ومع أنني كنت قد باشرت تأليف بعض المصنفات الأخرى، فقد وعدته خيرا، لما في ذلك من التعاون على إحياء السنة، وإماتة البدعة، فسارعت إلى تحقيق رغبته، وإنجاز طلبته.
ولكني ما كدت أشرع في ذلك، حتى تبين لي أن الامر أبعد من أن يتحقق بتلك السرعة، وأوسع من أن يجمع في رسالة توزع على الناس في مثل تلك المناسبة، ذلك لأن آداب الجنائز وأحكامها كثيرة جدا، وقسم كبير منها مما اختلفت فيه أقوال العلماء، وتضاربت حوله الآراء، فمنهم من يحرم شيئا، والآخر يبيحه، ومنهم من يوجب شيئا، والآخر لا يجيزه، ومنهم
= شيخ الاسلام ابن تيمية يقول: هدي نبينا صلى الله عليه وسلم كان أكمل من هدي هذا العارف، أعطى العبودية حقها، فاتسع قلبه للرضى عن الله ورحمة الولد والرقة عليه، فحمد الله ورضي عنه في قضائه، وبكى رحمة ورأفة، فحملته الرأفة على البكاء، وعبوديته الله، ومحبته الله الرضى والحمد.
وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الامرين ولم يتسع باطنه لشهودهما، والقيام بهما، فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة والرأفة ".