وإن تنزّلنا فوافقنا أن في كلام أبي عَمرو الداني السابقِ إجمالاً، فيبيّنه كلامه الآتي، الذي يصرّح ابنُ رشيد أنه يدل بظاهره على مذهب مسلم.
يقول أبو عَمرو الداني: ((المسند من الآثار الذي لا إشكالَ في اتّصاله: هو ما يرويه المحدّث عن شيخ يظهر سماعُه منه بسنٍّ يحتملها)) (1) .
وأذكر هنا عَرَضًا عبارةً لعالم آخر، ليس فيها نقلٌ للإجماع، ولكن أذكرها لقُرْبها من عبارة الداني في اللفظ، وحصل في فهمها اضطرابٌ كما حصل في فهم عبارة الداني.
فقد قال أبو الحسن القابسي (ت 403هـ) في مقدّمة كتابه (الملخِّص) : ((البَيِّنُ الاتصال: ما قال فيه ناقلوه: حدثنا، أو أخبرنا، أو أنبأنا، أو سمعنا منه قراءةً عليه، فهذا اتّصالٌ لا إشكال فيه. وكذلك ما قالوا فيه: عن، عن، فهو متصل، إذا عُرف أن ناقله أدرك المنقول عنه إدراكًا بيّنًا، ولم يكن ممن عُرف بالتدليس)) (2) .
وأكّد القابسي مقصوده عقب كلامه السابق بنحو صفحةٍ واحدة، عندما مثَّلَ للحديثِ المتّصل بقوله: ((وكذا قولُ عروة: كذلك كان بشير ابن أبي مسعود يحدّث عن أبيه، لاستيقان إدراك عروة من هو أكبر من بشير، على أن في حديث غير مالك بيانَ اتّصال ذلك)) (3) .
(1) السنن الأبين (59) .
(2) الموطأ برواية ابن القاسم وتلخيص القابسي (37- 38) .
(3) الموطأ برواية ابن القاسم وتلخيص القابسي (39) .