مدلِّسًا، فلا يصحُّ إيراد احتمال أن يكون هذا الراوي غير المدلِّس عندما عنعن عمّن عاصره قد روى عنه مع عدم اللقاء، لأن روايته كذلك تدليسٌ، والأصلُ فيه عدمُ فعل ذلك، لكونه ليس مدلِّسًا.
أعدِ النظر في هذه الحُجَّة مَرّات، وقَلِّبْها ما شئت، فلن تخرج منها إلا باليقين المطمئن على صحّة نتيجتها، وأنّها دافعةٌ لأقوى شبهةٍ وقعت في ذهن المخالِف للإمام مسلم.
فمشكلة بعض العلماء الذين نصروا المذهب المنسوب إلى البخاري، كالحافظ ابن حجر ومن تبعه، أنهم أخرجوا رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه من مُسَمَّى التدليس، فلم يصحّ عندهم بناءً على ذلك إلزام مسلم خَصْمَه بردّ العنعنة مطلقًا، اطّرادًا مع مذهبهم في التدليس وتعريفه (كما سبق) .
فانظر إلى الحافظ ماذا يقول في (النزهة) عن الإمام مسلم: ((وما ألزمه به ليس بلازم، لأن الراوي إذا ثبت له اللقاء مَرّة، لا يجري في روايته احتمال أن لا يكون سمع منه، لأنه يلزم من جَرَيَانه أن يكون مدلّسًا، والمسألةُ مفروضةٌ في غير المدلِّس)) (1) .
فنقول للحافظ: إنما لا يلزم إلزامُ مسلم على تفريقك أنت بين الإرسال الخفي والتدليس، وإخراجِك المخالِفِ لجمهور المحدّثين روايةَ الراوي عمن عاصره ولم يلقه من مُسَمَّى التدليس.
إذ للإمام مسلم أن يردَّ على الحافظ قولَه بقوله: كما أنه لا يجري في رواية من يثبت له اللقاء احتمالُ أن لا يكون سمع منه، لأنه غير
(1) نزهة النظر (59- 60) ، وانظر موقف الإمامين لخالد الدريس (371- 374، 426- 429) .