بقي أمرٌ آخر يتعلق بتحرير شرط البخاري المنسوب إليه: وهو: ما هو حكم الحديث المعنعن الذي لم يتحقق فيه العلم باللقاء أو السماع عند البخاري بناءً على هذا الشرط المنسوب إليه، هل يُحكم بانقطاعه؟ أم يُكتفى بالتوقّف عن الحكم له بالاتّصال؟
لازمُ هذا الشرط المنسوب إلى البخاري، ومقتضى دليله: أنه لا يُجزم بانقطاع الإسناد الذي لا يتحقق فيه شرط العلم باللقاء، وإنّما يُكتفى بالتوقف، لأن اشتراط العلم باللقاء إنما توجَّهَ عند القائلين به لاحتمال عدم اللقاء، لا لتحقق عدم اللقاء، فإذا لم نعلم باللقاء يقينًا، يبقى احتمال اللقاء واحتمال عدمه احتمالين متساويين، فالتوقّف حينها هو الواجب (1) .
وهذا هو ما نصَّ عليه مسلم في نقله لمذهب مخالفه، حيث ذكر مذهبه في الحديث المعنعن بين المتعاصرين اللذين لم يُعلم لقاؤهما، ثم قال في حكم هذا الحديث عند ذلك المخالف: ((وكان الخبر عنده موقوفًا، حتى يرد عليه سماعُه منه لشيءٍ من الحديث، قلَّ أو كَثُر..)) . (2)
وهذا هو ما نصَّ عليه ابن القطان الفاسي (ت 628هـ) أيضًا، ونسبه إلى البخاري وعلي بن المديني، حيث قال في الحديث المعنعن الذي لم يُعلم انتفاء اللقاء بين رواته: ((فإن الحكم فيه أن يُحكم له بالاتصال له عند الجمهور، وشرط البخاري وعلي بن المديني أن يُعلم اجتماعُهما ولو مَرّةً واحدة، فهما -أعني البخاري وابن المديني- إذا لم يعلما لقاء
(1) انظر السنن الأبين لابن رشيد (45) .
(2) صحيح مسلم (29) ، وانظر السنن الأبين لابن رُشيد (45) .