ويقول العلائي في (جامع التحصيل) ، في سياق ذكره لمذاهب العلماء في الحديث المعنعن: ((والقول الرابع: أنه يُكتفى بمجرّد إمكان اللقاء، دون ثبوت أصله. فمتى كان الراوي بريئًا من تُهمة التدليس، وكان لقاؤه لمن روى عنه بالعنعنة ممكنًا من حيث السِّنّ والبلد= كان الحديثُ مُتّصلاً، وإن لم يأتِ أنهما اجتمعا قط. وهذا قول الإمام مسلم، والحاكم أبي عبد الله، والقاضي أبي بكر الباقلاني، والإمام أبي بكر الصيرفي من أصحابنا. وقد جعله مسلم (رحمه الله) قولَ كافّةِ أهل الحديث)) (1) .
فهذان عالمان يَنُصَّان على مراعاة الإمام مسلم للقرائن، فذكر الأولُ: قرينةَ إدخالِ للوسائط (2) ، وذكر الثاني: قرينةَ بُعْدِ البلدان بين الراويين.
ويزيد قول هذين الإمامين قوّةً أمران:
- أن ابن القطان معتمدٌ في نقله لمذهب الإمام مسلم على كتاب له قد فُقِد أغلبه، وهو كتاب (التمييز) . فعند ابن القطان زيادةُ علم، ليس لدينا منها إلا اليسير.
- وأن العلائي ممن ينصر رأي البخاري، ومع ذلك فقد أنصف مسلمًا عندما نقل هذا عنه.
ومع أني ما كنتُ أحسب أن أحدًا سيشكُ في أن إمامًا مثل مسلم (في نَقْدِه وجَهْبَذَتِه) كان مراعيًا للقرائن الشاهدة للسماع أو عدمه، لأن مراعاة هذه القرائن أمرٌ لا يخفى على طلبة الحديث في زماننا، فكيف
(1) جامع التحصيل (117) .
(2) وانظر موقف الإمامين لخالد الدريس (350- 353) .