يأت ما ينصُّ على لقائه به (لو التزمه البخاري) لا يدل على أن البخاري يردّ هذه الحالة من حالات الحديث المعنعن، ولا يدل (بالتّالي) أنه يشترط العلم باللقاء.
فإن قيل: هذا فيه مَيْلٌ إلى ترجيح قَوْلِ من زَعَمَ أن شَرْطَ البخاري المنسوب إليه شَرْطُ كمال، بمعنى أنه شرطٌ له في (الجامع الصحيح) لا في أصل الصحّة. فأقول: لا، حاشا أن نميل إلى قولٍ لا دليل عليه، بل الدليل ينقضه. فإني أقول لأصحاب هذا الرأي: أبرزوا الدليل على ما تقولون؟ فالبخاري لم يصرّح به، و (الصحيح) ينقضُه (كما يأتي) ، والعلماء لمّا أعلُّوا بعض أحاديث (الصحيح) بعدم السماع -كما يأتي-، لم يعتبروا لهذا الشرط وجودًا، وإلا لكانوا أعرف الناس بقاعدة (من علم حجّة على من لم يعلم) ، فما بالُهم بَنَوْا تعليلهم على المشاحّةِ في ذلك؟ !
أمّا عدمُ تحقُّقِ شرط العلم باللقاء في صحيح البخاري نفسه، فهذا ما سيأتي إثباته، وأن البخاري أخرج أحاديث تحقّق فيها عدمُ اللقاء (عند البخاري قبل غيره) ، وأحاديثَ لم يعلم فيها باللقاء! !! (1) .
والقاعدة الثالثة: أنّ أوّل من نسب هذا الشرط إلى البخاري وعلي ابن المديني هو القاضي عياض (ت 544هـ) في كتابه (إكمال المعلم) ، حتى إن ابن رُشيد (ت 721هـ) في كتابه الذي خصَّهُ لهذه المسألة لم يذكر أحدًا قبل القاضي عياض نسب هذا الشرط إلى البخاري.
(1) وانظر ردّ خالد الدريس على أصحاب هذا المذهب في كتابه: موقف الإمامين (137- 140) .