أمّا محاولة بعض المعاصرين (1) الزعم بأن الحاكم على المذهب المنسوب للبخاري، من اشتراط العلم باللقاء، بدليل أنه لمّا مَثَّلَ للحديث المعنعن المتّصل، الذي قدّمه بالعبارة السابقة، مَثَّلَ له بحديثين معلومٌ سماعُ رواتهما من بعض= فهذا استدلالٌ ضعيف جدًّا. لأن الحاكم عَقَدَ بابًا للحديث المعنعن، وذكر شرط قبوله، ولو كان على غير مذهب مسلم، فهل يُتَصَوَّر أن يسكت عن شرط العلم باللقاء اكتفاءً بمثالٍ أورده؟! وهو يعلم الخلاف الذي أثاره مسلم بقوّة. ثم كيف ينقل الإجماع على أمرٍ نقل الإجماعَ على خلافه صاحبُ ثاني أصح كتاب في السنة وإمامُ نيسابور (بلد الحاكم) : ألا وهو مسلم؟! فأقلّ ما في الأمر: كان الواجب عليه أن يذكر رأيه في هذه المسألة الخلافيّة (بزعمهم) ، لا أن ينقل الإجماع عليها، ويكتفي بالمثال للدلالة على مذهبه!!
ثم أيّ معنى لاشتراط الحاكم انتفاءَ التدليس وذِكْرِه له بذلك الوضوح والقوّة في كلامه، مع أنه شَرْطٌ متّفقٌ عليه، ثم يترك التنصيصَ على الشرط الذي يتبنّاهُ ويُرجِّحُه (بزعمهم) ، مع ما وقع فيه من ذلك الخلاف الكبير؟!!
وأخيرًا نقول: إن الطبعي أن يُحاول الحاكم، وهو في مجال ضرب مثال لحديثٍ معنعنٍ لا اختلاف في اتّصاله، أن يضرب له بمثالين من ألوف الأمثلة يتحقق فيهما الاتّصال على أوضح صورة، وغالبًا ما سيوافق ذلك أن يكون اللقاءُ (بل وطولُ الصحبة) قد تحقق لهؤلاء الرواة، فلا علاقة لذلك باشتراط العلم باللقاء ولا من وَجْه!!
(1) انظر: تتمّات أبي غدّة (رحمه الله) على الموقظة للذهبي (125) .