المسلمون فداء أساراهم من الكفار فامتنع الكفار أن يقبلوا الفداء إلا بسلاح يعلم به أن ذلك السلاح ييسر لهم قتل عدد الأسارى أو أكثر من المسلمين، فإن كان ييسر لهم قتل قدر الأسارى فالمفسدة مساوية وإن كان ييسر لهم قتل أكثر منهم فالمفسدة راجحة.
ومثال تأدية المصلحة إلى مفسدة في ثاني حال: أعني متجددة في المستقبل ما وقع من مؤمني قوم نوح عليه السلام فإن تصويرهم لرجالهم الصالحين يغوث ويعوق، ونسر، وود، وسواع، في حالته الأولى مصلحة وهي التي قصدوها بتصويرهم لأنهم إذا رأوا صورهم تذكروا صلاحهم وعبادتهم فبكوا وعبدوا الله وأطاعوه، ولكنهم لم يعلموا أن هذه المصلحة مستلزمة في المستقبل لمفسدة هي أعظم المفاسد وهي: أن ذلك التصوير وسيلة للكفر البواح والشرك بالله، لأنهم لما مات أهل العلم منهم وبقي أهل الجهل زين لهم الشيطان عبادة تلك الصور فعبدوها وذلك أول شرك وقع في الأرض، وهو أعظم مفسدة قد استلزمتها مصلحة مرسلة، ولم يتفطن لها عند استعمال المصلحة، وذلك يستوجب الحذر التام من العمل بالمصالح المرسلة خوف استلزامها بعض المفاسد التي تتجدد في المستقبل كما ذكرنا آنفاً.