وأما المناسب الذي علم أن الشرع ألغاه، فهو غير معتبر أصلاً.
وأما المناسب الذي لا يعلم أن الشرع ألغاه، أو اعتبره، فذلك إنما يكون بحسب أوصاف أخص من كونه وصفاً مصلحياً، وإلا فعموم كونه وصفاً مصلحياً مشهود له بالاعتبار، وهذا القسم هو المسمى بالمصالح المرسلة.
واعلم أن كل واحد من هذه الأقسام الأربعة مع كثرة مراتب العموم والخصوص، قد يقع فيه كل واحد من الأقسام الخمسة المذكورة في التقسيم الأول، ويحصل هناك أقسام كثيرة جداً، ويقع فيما بينها المعارضات والترجيحات، ولا يمكن ضبط القوة فيها لكثرتها، والله سبحانه وتعالى هو العالم بحقائقها".
ثم ذكر أن الوصف باعتبار الملاءمة وشهادة الأصل على أربعة أقسام:
أحدها: "ملائم شهد له أصل معين، وهو الذي أثر نوع الوصف في نوع الحكم، وأثر جنسه في جنسه، وهذا متفق على قبوله بين القائسين، وهو كقياس المثقل على الجارح في وجوب القصاص، فخصوص كونه قتلاً معتبر في خصوص كونه قصاصاً، وعموم جنس الجناية معتبر في عموم جنس العقوبة.
وثانيها: مناسب لا يلائم، ولا يشهد له أصل، فهذا مردود بإجماع، ومثاله: حرمان القاتل من الميراث معارضة له بنقيض قصده، لو قدرنا أنه لم يرد فيه نص.
وثالثها: مناسب ملائم لا يشهد له أصل معين بالاعتبار، يعني اعتبر جنسه في جنسه، لكن لم يوجد له أصل يدل على اعتبار نوعه في نوعه، وهذا هو المصالح المرسلة.
ورابعها: مناسب يشهد له أصل معين، ولكنه غير ملائم، أي شهد نوعه لنوعه، لكن لم يشهد جنسه لجنسه كما في الإسكار، فإنه يناسب تحريم تناول المسكر صيانة للعقل، وقد شهد لهذا المعنى الخمر باعتباره، لكنه لم يشهد له سائر