الله عنهما، ولم يتقدم فيها أمر ولا نظير، وكذلك ترك الخلافة شورى، وتدوين الدواوين، وعمل السكة للمسلمين، واتخاذ السجن فعل ذلك عمر رضي الله عنه، وهدم الأوقاف التي بإزاء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتوسعة بها في المسجد عند ضيقه فعله عثمان[1] رضي الله عنها، وتجديد الأذان في الجمعة بالسوق، وهو الأذان الأول فعله عثمان رضي الله عنه، ثم نقله هشام[2] إلى المسجد وذلك كثير جداً، لمطلق المصلحة"[3].
وقد عقد ذلك صاحب مراقي السعود بقوله - بعدما عرف المرسل، وذكر قبول المالكية له - فقال:
نقبله لعمل الصحابة ... كالنقط للمصحف والكتابة
تولية الصديق للفاروق ... وهدم جار مسجد للضيق
وعمل السكة تجديد الندا ... والسجن تدوين الدواوين بدا
يعني أن المالكية يجوزون العمل بالمرسل رعاية للمصلحة، وذلك لكون الصحابة رضي الله عنهم عملوا به كما في نقطهم للمصحف، وتشكيلهم لحروفه، وجمعه في مصحف واحد بعد أن كان متفرقاً في اللخاف[4] وغيرها، لأجل حفظه [1] هو: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي الخليفة الثالث، المكنى بأبي عبد الله وأبي عمر، الملقب بذي النورين، ولد بعد عام الفيل بست سنين على الأصح، وأسلم قديماً على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه: رقية وبعد وفاتها أم كلثوم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وممن بايع بيعة الشجرة، قتل يوم الجمعة 22/12/35هـ، ومآثره كثيرة رضي الله عنه.
انظر: الإصابة 6/391 فما بعدها، والاستيعاب 8/27 فما بعدها، وفتح الباري شرح صحيح البخاري 7/52 فما بعدها، وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/8 فما بعدها. [2] هشام بن عبد الملك بن مروان، أحد ملوك الدولة الأموية، بالشام ولد بدمشق وبويع فيها بعد وفاة أخيه يزيد سنة 105هـ وخرج عليه زيد بن علي بن الحسين بالكوفة، فوجه إليه من قتله، وفتحت خاقان في أيامه، كان حسن السياسة يقظاً في أمره، يباشر الأعمال بنفسه وكان فظاً غليظاً يجمع الأموال ويعمر الأرض ويقيم الحلبة حتى اجتمع له من المال ما لم يجتمع لأحد قبله من بني أمية ومن الخيل ما لم يجتمع لأحد في جاهلية ولا إسلام، توفي سنة 125هـ بعد أن مكثت خلافته عشرين سنة إلا شهراً.
انظر: شذرات الذهب 1/163، الأعلام للزركلي 9/84-85. [3] انظر: شرح تنقيح الفصول ص 446. [4] اللخاف بالكسر حجارة بيض رقاق، واحدتها لخفة، بوزن صفحة وهي في حديث زيد ابن ثابت رضي الله عنه ا. هـ، مختار الصحاح ص 595 حيث قال: في سبب جمع القرآن في أيام أبي بكر الصديق بأمره رضي الله عنه "فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاذ وصدور الرجال" الحديث.
انظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/57.