النصوص وتعارضها حيث كانت سبباً للاختلاف في الأحكام، أمر باطل، لأنه إما أن يكون مراده أنها مختلفة ومتعارضة في الواقع، وفي نفس الأمر، بمعنى أن الله تعالى يأمر بالشيء وضده، وينهى عن الشيء وضده.
وإما أن يكون مراده أنها مختلفة متعارضة في الظاهر بالنسبة إلى المجتهدين، بحيث يفهم أحدهم حكماً من النص، ويفهم الآخر من النص حكماً آخر.
أما الأول: فلا أرى أن الطوفي - رحمه الله - يريده، حيث لم يقل به أحد من المسلمين، وقد صرح الله سبحانه وتعالى بما يدل على بطلانه حيث قال جل شأنه: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيراً} [1]، فقد نفى سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن يكون في القرآن اختلاف أو تعارض، وأمرنا سبحانه وتعال بالتحاكم فيما اختلفنا فيه إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [2]، وقال: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [3] الآية.
فالرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بعد موته هو الرد إلى سنته، وليس ذلك إلا لرفع الخلاف والنزاع ورفع الخلاف والنزاع لا يكون بالمختلف المتعارض، وإنما يكون بالمتفق، إلى غير ذلك من آيات القرآن الدالة على هذا، ولو كان فيه ما يقتضي الاختلاف، والتعارض، لم يكن في الرجوع إليه فائدة.
وإن كان يريد الثاني: فهذا مسلم، غير أنه لا يؤدي إلى ما ادعاه من كونه يؤدي إلى الفرقة والتناحر، والخلاف المذمومة شرعاً.
وأما دليل تسليمه، فلأنه الواقع، ولذا يقول الشاطبي: "وأما تجويز أن يأتي دليلان متعارضان، فإن أراد الذاهبون إلى ذلك التعارض في أنظار المجتهدين، [1] سورة النساء آية: 82. [2] سورة الشورى آية: 10. [3] سورة النساء آية: 59.