نام کتاب : روضة الناظر وجنة المناظر نویسنده : ابن قدامة المقدسي جلد : 1 صفحه : 253
وقد نسخ التخيير بين الفدية والصيام، بتعين الصيام[1]، وجواز تأخير الصلاة حالة الخوف إلى وجوب الإتيان بها[2].
= لذاته بدليل أنه قد وقع -كما سيأتي- ولم يلزم منه، فدل على أنه لا يمتنع لذاته، أي لكونه نسخًا من الأخف إلى الأثقل، وإنما قلنا: أنه لا يمتنع؛ لأنه يتضمن مصلحة عظيمة، وهي: تدرج المكلف من الأخف إلى الأثقل، فيسهل عليه الامتثال، والتدرج في التشريع من أهم الخصائص التي تميز بها التشريع الإسلامي، لأن الناس لو أخذوا بالأحكام دفعة واحدة لأدى ذلك إلى نفرتهم من الإسلام، خاصة في الأمور التي ألفوها وشبوا عليها.
فالحاصل: أن النسخ من الأخف إلى الأثقل، لا يعتبر مستحيلًا لذاته، ولا لغيره. فضلًا عن الأدلة الشرعية التي وقعت، وهي خير دليل على ذلك -كما سيأتي-. [1] التخيير بين الفدية والصيام كان ثابتًا بقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ... } [البقرة: 184] وقد نسخ ذلك بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] . وقد قدم الكلام على الآثار الواردة في ذلك. [2] جاء في تفسير ابن كثير "1/ 519" "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخر صلاة الظهر والعصر يوم الأحزاب فصلاهما بعد الغروب، ثم صلى بعدهما المغرب والعشاء".
كما روى البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رجع من الأحزاب قال: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بلى نصلي، لم يرد ذلك منا، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يعنف واحدًا منهم. انظر: نيل الأوطار "3/ 368" طبعة الحلبي.
فلما نزل قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ... } [البقرة: 239] نسخ تأخير الصلاة، وصلوا على أي حال، ثم جاء بيان كيفية الخوف في قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] .
نام کتاب : روضة الناظر وجنة المناظر نویسنده : ابن قدامة المقدسي جلد : 1 صفحه : 253