responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري نویسنده : ابن نجيم، زين الدين    جلد : 1  صفحه : 70
بِالْإِثْبَاتِ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْبَحْرِ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ لِلتَّعْرِيفِ بِخِلَافِ الْمَاءِ الْمُقَيَّدِ، فَإِنَّ الْقَيْدَ لَازِمٌ لَهُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِدُونِ الْقَيْدِ كَمَاءِ الْوَرْدِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وَقَدْ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «سَأَلَ سَائِلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي غَيْرِ صَحِيحِهِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأُوِردَ أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ الطَّهُورُ بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] وَصَفَهُ بِأَنَّهُ طَهُورٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ
وَقَالَ جَرِيرٌ
عِذَابُ الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُورُ
وَمَعْنَاهُ طَاهِرٌ وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ فَعُولٌ مِنْ طَهُرَ، وَهُوَ لَازِمٌ وَالْفِعْلُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا لَمْ يَكُنْ الْفَعُولُ مِنْهُ مُتَعَدِّيًا كَقَوْلِهِمْ نَئُومٌ مِنْ نَامَ وَضَحُوكٌ مِنْ ضَحِكَ، وَإِذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فَالْفَعُولُ مِنْهُ كَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ قَتُولٌ مِنْ قَتَلَ وَضَرُوبٌ مِنْ ضَرَبَ قُلْنَا إنَّمَا تُفِيدُ هَذِهِ الصِّيغَةُ التَّطْهِيرَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلْمُبَالَغَةِ، فَإِنَّ فِي الشَّكُورِ وَالْغَفُورِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ مَا لَيْسَ فِي الْغَافِرِ وَالشَّاكِرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّهُورِ مَعْنًى زَائِدٌ لَيْسَ فِي الطَّاهِرِ وَلَا تَكُونُ تِلْكَ الْمُبَالَغَةُ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّ فِي نَفْسِ الطَّهَارَةِ كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ سَوَاءٌ فَتَكُونُ صِفَةُ التَّطْهِيرِ لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا أَنَّ الطَّهُورَ بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكَشَّافِ وَالْمُغْرِبِ قَالَ وَمَا حُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّ الطَّهُورَ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي نَفْسِهِ مُطَهِّرًا لِغَيْرِهِ إنْ كَانَ هَذَا زِيَادَةَ بَيَانٍ لِبَلَاغَتِهِ فِي الطَّهَارَةِ كَانَ سَدِيدًا وَيُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وَإِلَّا فَلَيْسَ فَعُولٌ مِنْ التَّفْعِيلِ فِي شَيْءٍ وَقِيَاسُهُ عَلَى مَا هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ كَقَطُوعٍ وَمَنُوعٍ غَيْرُ سَدِيدٍ وَالطَّهُورُ يَجِيءُ صِفَةً نَحْوَ: مَاءً طَهُورًا وَاسْمًا لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ كَالْوُضُوءِ اسْمٌ لِمَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَمَصْدَرًا نَحْوُ تَطَهَّرْت طَهُورًا حَسَنًا
وَمِنْهُ قَوْلُهُ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ» أَيْ طَهَارَةٍ فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ صَحَّ الِاسْتِدْلَال وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُجْعَلَ بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ حَيْثُ يَلْزَمُ جَعْلُ اللَّازِمِ مُتَعَدِّيًا كَذَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِأَعْلَى الصِّفَاتِ، وَهُوَ التَّطْهِيرُ الثَّانِي أَنَّ جَرِيرًا قَصَدَ تَفْضِيلَهُنَّ عَلَى سَائِرِ النِّسَاءِ فَوَصَفَ رِيقَهُنَّ بِأَنَّهُ مُطَهِّرٌ يُتَطَهَّرُ بِهِ لِكَمَالِهِنَّ وَطِيبِ رِيقِهِنَّ وَامْتِيَازِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى طَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ النِّسَاءِ رِيقُهُنَّ طَاهِرٌ بَلْ كُلُّ حَيَوَانٍ طَاهِرِ اللَّحْمِ كَذَلِكَ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا تَكُونُ تِلْكَ الْمُبَالَغَةُ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّطْهِيرِ قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ كَثْرَتِهِ وَجَوْدَتِهِ فِي نَفْسِهِ لَا بِاعْتِبَارِ التَّطْهِيرِ وَالْمُرَادُ بِمَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ مَسُوقٌ عَلَى جَوَازِ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَمَا فِي الْحَدِيثِ مَاءُ الْبَحْرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمِيَاهَ كُلَّهَا مِنْ السَّمَاءِ وَسَيَأْتِي عَنْهُ جَوَابٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ سَوَاءٌ) الصِّفَتَانِ هُمَا أَصْلُ الطَّهَارَةِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهَا
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ بَحْثٌ) أَيْ فِيمَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ مِنْ الْإِيرَادِ وَالْجَوَابِ وَالْبَحْثُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ الْأَوَّلَانِ عَلَى الْإِيرَادِ وَالثَّالِثُ عَلَى الْجَوَابِ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ الْبَحْثَ الثَّالِثَ يَدْفَعُ الْبَحْثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَبَقِيَ الْإِيرَادُ السَّابِقُ مُتَوَجِّهًا وَلَا يَنْفَعُهُ الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ قُلْنَا إنَّمَا تُفِيدُ هَذِهِ الصِّيغَةُ إلَخْ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْبَحْثِ الثَّالِثِ وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك ضَعْفُ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِمَا عَلِمْت؛ وَلِأَنَّ الْمُورَدَ سَابِقًا اسْتَنَدَ إلَى أُصُولِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ مُجَرَّدُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَقَدْ تَقَرَّرَ بَيْنَ عُلَمَاءِ آدَابِ الْبَحْثِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ الْمُدَلِّلَ لَا يُمْنَعُ إلَّا مَجَازًا بِمَعْنَى طَلَبِ الدَّلِيلِ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مُوَجَّهًا، وَأَمَّا الثَّالِثُ؛ فَلِأَنَّ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ السُّؤَالُ عَنْ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالطَّهُورِ الْوَاقِعِ فِي الْجَوَابِ هُوَ كَثِيرُ الطَّهَارَةِ وَلَا تَطْهِيرَ فِيهِ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الْجَوَابِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَثِيرُ الطَّهَارَةِ وَلَا مَدْخَلَ لِكَثْرَةِ الطَّهَارَةِ فِي مَكَانِ التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّ الصِّفَتَيْنِ فِيهِ سَوَاءٌ كَمَا مَرَّ وَحَاشَا مَنْ حَازَ مِنْ الْفَصَاحَةِ الْقِدْحَ الْمُعَلَّى أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ بِاعْتِبَارِ التَّطْهِيرِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ حُمِلَ مَا فِي الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ صِحَّةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى جَوَازِ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ السَّمَاءِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ وَارِدٌ فِي مَاءِ الْبَحْرِ لَا مَاءِ السَّمَاءِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّهُورِ فِي الْآيَةِ مَا ذُكِرَ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ يَحْتَمِلُ الْبَحْثُ فَالْأَوْلَى مَا قَدَّمْنَاهُ

نام کتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري نویسنده : ابن نجيم، زين الدين    جلد : 1  صفحه : 70
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست