responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 12
وَصَوَّرَ: فِي الْأَرْحَامِ بِحِكْمَتِهِ؛ وَأَبْرَزَهُ إلَى رِفْقِهِ، وَمَا يَسَّرَ لَهُ مِنْ رِزْقِهِ، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ صِفَاتِ التَّأْثِيرِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْإِنْعَامُ وَهُوَ أَظْهَرُ، فَتَكُونُ الْبَاءُ سَبَبِيَّةً أَيْ ابْتَدَأَهُ.
بِسَبَبِ إنْعَامِهِ عَلَيْهِ الْإِيجَادَ مِنْ الْعَدَمِ، وَحَقِيقَةُ النِّعْمَةِ بِكَسْرِ النُّونِ كُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ كُلِّ مُلَائِمٍ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ، وَمِنْ ثَمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ الْكَافِرُ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالِ: فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّهُ مَا مِنْ عَذَابٍ إلَّا وَثَمَّ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ، وَقِيلَ: مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، وَأَمَّا النَّعْمَةُ بِالْفَتْحِ فَهِيَ الْمَصْدَرُ أَيْ النِّعَمُ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَهِيَ السُّرُورُ، وَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ لَا تُحْصَى.
قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] أَيْ إنْ تُرِيدُوا عَدَّهَا لَا يُمْكِنُكُمْ ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: اللَّهُ تَعَالَى ابْتَدَأَ جَمِيعَ الْحَوَادِثِ فَمَا وَجْهُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْإِنْسَانِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَوْجُودَاتِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ جَمِيعَ الْمُوجِدَاتِ عَمَّتْهَا نِعْمَةُ الْإِيجَادِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَوَّلِ نِعْمَةٍ عَلَى الْعَبْدِ فَقِيلَ الْوُجُودُ وَهَذِهِ عَامَّةٌ حَتَّى لِلْكَافِرِ، وَقِيلَ الْحَيَاةُ الَّتِي تُؤَوَّلُ إلَى إدْرَاكِ اللَّذَّاتِ الَّتِي لَا يَعْقُبُهَا ضَرَرٌ.
تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: وَقَعَ التَّوَقُّفُ مِنْ بَعْضِ الْأَكَابِرِ فِي بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ غَيْرِ الْحَيَوَانَاتِ كَالْأَشْجَارِ وَالْأَحْجَارِ هَلْ هِيَ مُنْعَمٌ عَلَيْهَا أَوْ وُجُودُهَا نِعْمَةٌ عَلَى الْغَيْرِ؟ وَأَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِي حَدِّ النِّعْمَةِ هُوَ الثَّانِي، لِأَنَّ وُجُودَ الْجَمَادَاتِ وَنَحْوِهَا كُلِّ مَا لَا نَفْعَ لَهُ بِوُجُودِ نَفْسِهِ نِعْمَةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى وُجُودِهِ انْتِفَاعٌ بِهِ وَلَيْسَ مُنْعَمًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ بِنَحْوِ الصِّحَّةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَالْإِنْسَانِ.
الثَّانِي: أَفْضَلُ النِّعَمِ عَلَى الْإِنْسَانِ كَتَبَ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْخُلُودِ فِي الْجَنَّةِ، وَلِمَا ثَبَتَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا قَدْ حَمِدْت اللَّهَ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةٍ لَمْ تَحْمَدْهُ عَلَى نِعْمَةٍ أَفْضَلَ مِنْهَا» .
وَلِذَا قَالَ فِي الْجَزَائِرِيَّةِ:
فَلَيْسَ يُحْصَى الَّذِي أَوْلَاهُ مِنْ نِعَمٍ ... أَجَلُّهَا نِعْمَةُ الْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ
مَنْ ذَا مِنْ الْخَلْقِ يُحْصِي شُكْرَ وَاهِبِهَا ... لَوْ كَانَ يَشْكُرُ طُولَ الدَّهْرِ لَمْ يَصِلْ
وَأَمَّا فَضْلُهَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُسْلِمِ فَتَأْخِيرُ عُقُوبَتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ: تَوْفِيقُهُ لِمَا يُجَازَى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ خَيْرًا كَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا.

(وَصَوَّرَهُ) أَيْ وَشَكَّلَ اللَّهُ مُعْظَمَ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ عَلَى الشَّكْلِ الَّذِي أَرَادَهُ (فِي الْأَرْحَامِ) جَمْعُ رَحِمٍ وَهُوَ مَوْضِعُ نُطْفَةِ الذَّكَرِ فِي فَرْجِ الْأُنْثَى، وَجَمْعُهَا بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الظُّلُمَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي هِيَ الْبَطْنُ وَالرَّحِمُ وَالْمَشِيمَةُ.
(بِحِكْمَتِهِ) أَيْ بِإِتْقَانِهِ وَابْتِدَاعِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ لَهُ، حَيْثُ خَلَقَ لَهُ بَصَرًا وَجَعَلَهُ فِي أَعْلَاهُ لِتَكُونَ مَنْفَعَتُهُ أَعَمَّ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ أَجْفَانًا كَالْأَغْطِيَةِ تَقِيهِ مِنْ سَائِرِ الْآفَاتِ، وَجَعَلَهَا مُتَحَرِّكَةً تَنْطَبِقُ وَتَنْفَتِحُ بِمِقْدَارِ الْحَاجَةِ، وَجَعَلَ فِي أَطْرَافِهَا شَعْرًا لِمَنْعِ لَدْغِ الذُّبَابِ وَالْهَوَامِّ إنْ نَزَلَتْ عَلَيْهَا، وَجَعَلَهَا زِينَةً لَهَا كَحِلْيَةِ مَا يُحَلَّى، وَجَعَلَ عَظْمَ الْحَاجِبِ بَارِزًا يَقِيهَا وَيَدْفَعُ عَنْهَا لِأَنَّهَا لَطِيفَةٌ فِي شَكْلِهَا، وَجَعَلَ وَجْهَهُ لِظَهْرِ أُمِّهِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِحَرِّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَجَعَلَ غِذَاءَهُ فِي سُرَّتِهِ وَأَنْفِهِ بَيْنَ فَخِذَيْهِ لِيَتَنَفَّسَ فِي فَارِغٍ، وَفَسَّرْنَا الْحِكْمَةَ بِالْإِتْقَانِ إلَخْ، لِأَنَّ التَّصْوِيرَ تَأْثِيرٌ فَلَا يَحْسُنُ تَفْسِيرُ الْحِكْمَةِ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ صِفَةُ إحَاطَةٍ، وَالتَّصْوِيرَ تَشْكِيلٌ وَنَقْلٌ لِلشَّيْءِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، فَهُوَ تَأْثِيرٌ بِالْإِتْقَانِ وَالْإِحْكَامِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى وَفْقِ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ وَخَصَّصَتْهُ إرَادَتُهُ، فَالْحِكْمَةُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي مَحَلِّهِ؛ وَبِقَوْلِنَا التَّصْوِيرُ نَقْلٌ لِلشَّيْءِ إلَخْ ظَهَرَ صِحَّةُ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ وَالْأَحْكَامِ بِالتَّصْوِيرِ، وَعَدَمِ صِحَّةِ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ فِي الْمَوْجُودِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي مَوْجُودٍ كَمُلَ وُجُودُهُ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ حُصُولِ النُّطْفَةِ فِي الْفَرْجِ فَتَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ بَاقٍ فِيهَا حَتَّى تَصَوَّرَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي أَرَادَهَا الْخَالِقُ وَسَبَقَ عِلْمُهُ بِهَا.
تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِي صَوَّرَهُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ، وَالْبَارِزَ الْمَنْصُوبَ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ بِحِكْمَتِهِ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ.
الثَّانِي: أَشَارَ بِقَوْلِهِ بِنِعْمَتِهِ إلَخْ إلَى زِيَادَةِ الصِّفَاتِ عَلَى الذَّاتِ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ النِّعْمَةَ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى النُّفَاتِ وَعَلَى الطَّبَائِعِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ تَعَالَى فَاعِلٌ بِالذَّاتِ لَا بِالِاخْتِيَارِ، وَعَلَى النَّصَارَى فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، لِأَنَّ الْمُصَوِّرَ بِالْكَسْرِ لَا يَكُونُ أَبًا لِلْمُصَوَّرِ بِالْفَتْحِ حَتَّى غَيَّرُوا قَوْله تَعَالَى، فِي التَّوْرَاةِ: عِيسَى نَبِيُّ اللَّهِ وَأَنَا وَلَّدْته بِتَشْدِيدِ اللَّامِ بِعِيسَى بُنَيَّ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ وَأَنَا وَلَدْته بِفَتْحِ اللَّامِ مُخَفَّفَةً مِنْ الْوِلَادَةِ، وَإِنَّمَا قُلْت أَفْرَادَ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ مِنْهُ مَنْ لَمْ يُصَوَّرْ فِي رَحِمٍ كَآدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَنْ لَا أَبَ وَلَا أُمَّ وَهُوَ آدَم وَحَوَّاءُ، وَمَنْ لَهُ أُمٌّ دُونَ أَبٍ وَهُوَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَنْ لَهُ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَهُوَ الْبَاقِي.

نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 12
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست