responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 19
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَحِلُّ الْفَخْرُ لِأَحَدٍ إلَّا لِلْعَالِمِ بِعِلْمِهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ نُورُ الْعَالِمِ وَرُوحٌ فِيهِ، فَإِنْ تَعَاظَمَ بِهِ أَوْ افْتَخَرَ فَيَحِقُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لِبَاسٌ ظَاهِرٌ، وَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْعَالِمِ لِأَنَّهُ يَفْتَخِرُ بِأَمْرٍ بَاطِنٍ لَا يُعْلَمُ حَقِيقَتُهُ فَيَصِيرُ مُدَّعِيًا، وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ أَنَّ مَعْنَى التَّعَاظُمِ رُؤْيَةُ النَّفْسِ مُرْتَفِعَةً عَلَى الْغَيْرِ بِحَيْثُ يَحْتَقِرُ سِوَاهُ، فَإِنَّ هَذَا يُنْهَى عَنْهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَعَاظَمْ بِالْعِلْمِ» فَمَعْنَاهُ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ عَظِيمًا بِالْعِلْمِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَحَلًّا لَهُ وَمَوْصُوفًا بِهِ، وَلَمْ يَسْتَرْذِلْهُ بِحَيْثُ يَحْظُرُهُ عَلَيْهِ وَيَمْنَعُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «إذَا اسْتَرْذَلَ اللَّهُ عَبْدًا حَظَرَ عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَالْآدِبِ» وَالسَّائِلُ الَّذِي خَاطَبَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الشَّيْخُ الصَّالِحُ مُؤَدِّبُ الْأَطْفَالِ مُحْرَزٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مُحْرَزًا لَقِيَ الْمُصَنِّفَ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمُؤَلِّفُ بِالْقَيْرَوَانِ حِينَ التَّأْلِيفِ وَمُحْرَزٌ بِتُونُسَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَضَرَ لَهُ لِخُصُوصِ السُّؤَالِ فِي تَأْلِيفِهَا وَرَجَعَ إلَى تُونُسَ سَرِيعًا، بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِقَرِينَةِ الْخِطَابِ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا حِينَ سُؤَالِهِ لَقَالَ: أَعَانَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ، وَعَلَى فَرْضِ عَدَمِ حُضُورِهِ يَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ مَعَ غِيبَتِهِ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ: السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَأَيْضًا الدُّعَاءُ لِلْغَائِبِ فِيهِ فَضْلٌ كَثِيرٌ.
قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ وَعِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ آمِينَ وَلَك بِمِثْلِ ذَلِكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَقَدَّمَ نَفْسَهُ فِي الدُّعَاءِ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَالْكِتَابُ حِكَايَةٌ عَنْ نُوحٍ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح: 28] وَالسُّنَّةُ مَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَعَا بَدَأَ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ قِيلَ: مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يُصَلِّ، وَالْجَوَابُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى فِي نَفْسِهِ أَوْ اكْتَفَى بِالصَّلَاةِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ.
تَنْبِيهٌ: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَعَانَنَا اللَّهُ إلَخْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ قُدْرَةٌ يَكْتَسِبُ بِهَا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْجَبْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ كَالنَّخْلَةِ تُمِيلُهَا الرِّيَاحُ وَكَالْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيْ الْغَاسِلِ يُمِيلُهُ كَيْفَ يَشَاءُ، وَعَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: الْعَبْدُ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ.
قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ مُشِيرًا لِلْمَذَاهِبِ الثَّلَاثِ:
وَعِنْدَنَا لِلْعَبْدِ كَسْبٌ كُلِّفَا ... بِهِ وَلَكِنْ لَمْ يُؤْثِرْ فَاعْرِفَا
فَلَيْسَ مَجْبُورًا وَلَا اخْتِيَارًا ... وَلَيْسَ كُلًّا يَفْعَلُ اخْتِيَارًا وَمُتَعَلِّقُ
أَعَانَنَا (عَلَى رِعَايَةِ) أَيْ حِفْظِ (وَدَائِعِهِ) تَعَالَى وَهِيَ جَوَارِحُ الْإِنْسَانِ، وَأُضِيفَتْ لَهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ الْخَالِقُ لَهَا، وَيُقَالُ لَهَا الْكَوَاسِبُ وَهِيَ سَبْعٌ: السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ، وَحِفْظُهَا أَنْ لَا يُرْتَكَبَ بِهَا مَنْهِيًّا عَنْهُ، لِأَنَّ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ عَضُدُ الْجَوَارِحِ السَّبْعِ، مَنْ عَصَى رَبَّهُ بِجَارِحَةٍ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ تِلْكَ، وَمَنْ أَطَاعَهُ بِجَوَارِحِهِ السَّبْعِ غَلَقَ عَنْهُ الْأَبْوَابَ السَّبْعِ، وَتَفْسِيرُ الْوَدَائِعِ بِالْجَوَارِحِ أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهَا بِالشَّرَائِعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَأْمُورَاتِ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فِي كَلَامِهِ لِقَوْلِهِ: وَحِفْظُ مَا أَوْدَعَنَا مِنْ شَرَائِعِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْأَمَانَاتُ، وَيَجُوزُ إرَادَةُ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ، لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ رَاعٍ عَلَى جَمِيعِ جَوَارِحِهِ وَعِبَادَتِهِ وَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ» وَأَعَانَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ يَا مُحْرَزُ عَلَى (حِفْظِ مَا أَوْدَعَنَا) أَيْ ائْتَمَنَنَا عَلَيْهِ وَكَلَّفَنَا بِهِ (مِنْ شَرَائِعِهِ) جَمْعُ شَرِيعَةٍ وَهِيَ لُغَةً الطَّرِيقُ، وَشَرَائِعُ اللَّهِ أَحْكَامُهُ وَتَكَالِيفُهُ، وَحِفْظُهَا الْإِتْيَانُ بِهَا مَعَ الْمُدَاوَمَةِ فِيمَا تَطْلُبُ إدَامَتَهُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الْكَامِلِ، وَقَالَ الطَّيَالِسِيُّ: قُلْت لِأَبِي مُحَمَّدٍ: مَا الْوَدَائِعُ الَّتِي أَرَدْت؟ قَالَ: الْإِيمَانُ، قُلْت: مَا الشَّرَائِعُ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ، قُلْت: لَمْ لِمَ تَجْعَلْهَا شَيْئًا وَاحِدًا؟ قَالَ: وَدِيعَةُ الْإِيمَانِ عَقْدٌ خَفِيٌّ وَدِيعَةُ الْإِسْلَامِ كَذَلِكَ مَعَ عَمَلٍ ظَاهِرٍ جَلِيٍّ.
قُلْت: وَلِمَ لَمْ تَقُلْ وَحِفْظِ مَا كَلَّفَنَا مِنْ شَرَائِعِهِ؟ فَسَكَتَ اهـ.
وَأَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِلَفْظِ الْوَدَائِعِ تَلْمِيحًا بِالْآيَةِ، وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب: 72] الْآيَةَ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّكَالِيفُ، فَلَمَّا سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى أَمَانَةً نَاسَبَ التَّعْبِيرَ عَنْهَا بِالْوَدَائِعِ جَمْعُ وَدِيعَةٍ وَهِيَ أَمَانَةٌ وَالتَّلْمِيحُ مِنْ الْمُحَسِّنَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ، وَعَلَى تَفْسِيرِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْوَدَائِعُ وَالشَّرَائِعُ بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ يَكُونُ عَبَّرَ عَنْ كُلٍّ مِنْهَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ تَعْظِيمًا أَوْ بِالنَّظَرِ لِتَعَدُّدِ مُتَعَلِّقِ كُلٍّ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ.

نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 19
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست