responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 26
قُلُوبِهِمْ مِنْ فَهْمِ دَيْنِ اللَّهِ وَشَرَائِعِهِ؛ مَا تُرْجَى لَهُمْ بَرَكَتُهُ، وَتُحْمَدُ لَهُمْ عَاقِبَتُهُ: فَأَجَبْتُك إلَى ذَلِكَ؛ لِمَا رَجَوْته لِنَفْسِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلُوبِهِمْ) .
أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يُسْرِعَ إلَى الدُّخُولِ فِي قُلُوبِهِمْ.
(مِنْ فَهْمِ دَيْنِ اللَّهِ) بَيَانٌ قُدِّمَ عَلَى الْمُبَيَّنِ وَهُوَ مَا تُرْجَى لَهُمْ بَرَكَتُهُ الْآتِي الْوَاقِعِ فَاعِلًا، وَالْفَهْمُ ارْتِسَامُ صُورَةِ مَا فِي الْخَارِجِ فِي الذِّهْنِ، وَالْمُرَادُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ، وَالْجَاهِلُ الْغَافِلُ يُشَارِكُ الصَّبِيَّ فِي ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِدِينِ اللَّهِ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَعْرِفَةَ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ بِأَنْ يَعْرِفَ اللَّهَ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ، لِأَنَّ مَنْ وَصَفَهُ بِغَيْرِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ إنْ كَانَ عَنْ قَصْدٍ فَكُفْرٌ، وَإِنْ كَانَ عَنْ تَأْوِيلٍ فَابْتِدَاعٌ، وَإِنْ كَانَ عَنْ جَهْلٍ فَلَا يُعْذَرُ بِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ فَهْمٍ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ عِلْمٍ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَسْتَدْعِي مَعْرِفَةَ حَقِيقَةِ الْمَعْلُومِ، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بَعْدَ الِاتِّصَافِ بِكَمَالِ الْعَقْلِ، وَالصَّغِيرُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا حَظُّهُ مِنْ الْإِدْرَاكِ الْفَهْمُ وَهُوَ انْتِفَاءُ الْوَهْمِ الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْعَقْلِ الَّذِي لَا يُفَارِقُهُ جَهْلُ الصَّبِيِّ إلَّا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلِأَجْلِ أَنْ يَسْبِقَ إلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ فَهْمٍ.
(وَشَرَائِعِهِ) جَمْعُ شَرِيعَةٍ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ، وَالشَّارِعُ مُبَيِّنُ الْأَحْكَامِ، وَالشَّارِعُ لُغَةً الْبَيَانُ وَاصْطِلَاحًا تَجْوِيزُ الشَّيْءِ أَوْ تَحْرِيمُهُ أَيْ جَعْلُهُ جَائِزًا أَوْ حَرَامًا، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: الشَّرْعُ وَضْعٌ إلَهِيٌّ، كَمَا تَعْرِفُ الْعِبَادُ مِنْهُ أَحْكَامَ عَقَائِدِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صَلَاحُهُمْ فِي دَارِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَمَعْنَى وَضْعِ مَوْضُوعٍ وَضَعَهُ الْإِلَهُ، وَالْمَشْرُوعُ مَا أَظْهَرَهُ الشَّرْعُ، فَالْمُرَادُ بِالشَّرَائِعِ فُرُوعُ الشَّرِيعَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَطْلُبُ مِنْ الْوَلِيِّ تَعْلِيمَ الصِّغَارِ، وَمِنْ الزَّوْجِ تَعْلِيمَ زَوْجَتِهِ، وَمِنْ السَّيِّدِ تَعْلِيمَ رَقِيقِهِ.
قَالَ الْعَوْفِيُّ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأُمُورِ الدِّينِ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي الْعَيْنِيَّاتِ وَكِفَايَةٍ فِي غَيْرِهَا، لَا يَسَعُ الْمُكَلَّفَ جَهْلُهُ، وَعَلَيْهِ الْإِثْمُ فِي كُلِّ زَمَانٍ يَمُرُّ عَلَيْهِ يُمْكِنُهُ فِيهِ تَحْصِيلُهُ فَيُضَيِّعُهُ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُكَلَّفٍ الْإِقْدَامُ عَلَى حُكْمٍ قَبْلَ مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ فِيهِ وَلَمْ تَحْكِ الْأَئِمَّةُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَالْحُكْمُ عَامٌّ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّلَبُّسِ بِهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُصَنِّفِ دِينَ اللَّهِ عَلَى شَرَائِعِهِ وُجُوبُ تَعَلُّمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَاتِ الْبَارِي وَصِفَاتِهِ مِنْ وَاجِبٍ وَجَائِزٍ وَمُسْتَحِيلٍ ابْتِدَاءً، لِأَنَّ فَهْمَ دِينِ اللَّهِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ كُلِّ عِبَادَةٍ، وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَتَعَلُّمُ أَحْكَامِ الشَّرَائِعِ مِنْ صِحَّةٍ وَبُطْلَانٍ وَتَحْلِيلٍ وَتَحْرِيمٍ بَعْدَ ذَلِكَ.
تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: إضَافَةُ دِينٍ إلَى اللَّهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّخْصِيصِ، لِأَنَّ لَفْظَ الدِّينِ يُطْلَقُ عَلَى دِينِ اللَّهِ وَعَلَى غَيْرِهِ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَأَمَّا إطْلَاقُهُ عَلَى الْأَدْيَانِ الْحَقَّةِ فَهُوَ بِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ وَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْكِلِ لَا الْمُتَوَاطِئِ لِاخْتِلَافِ الْأَدْيَانِ.
الثَّانِي: الدِّينُ لُغَةً الطَّاعَةُ وَالْعَادَةُ وَالْجَزَاءُ وَكُلُّ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَهُوَ وَضْعٌ إلَهِيٌّ سَائِقٌ لِذَوِي الْعُقُولِ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودَ فِيمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ بِالذَّاتِ، أَيْ مَوْضُوعٌ وَأَحْكَامٌ وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْعِبَادِ، فَرْعِيَّةٌ كَالْأَعْمَالِ أَوْ أَصْلِيَّةٌ كَالِاعْتِقَادِيَّاتِ نَحْوَ الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ، فَخَرَجَ بِالْوَضْعِ الْإِلَهِيِّ الْأَوْضَاعُ الْبَشَرِيَّةُ ظَاهِرًا نَحْوُ الرُّسُومِ السِّيَاسِيَّةِ وَالتَّدْبِيرَاتِ الْمَعَاشِيَّةِ وَالصِّنَاعِيَّةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " سَائِقٌ " الْأَوْضَاعُ الْإِلَهِيَّةُ غَيْرُ السَّائِقَةِ كَإِنْبَاتِ الْأَرْضِ وَإِمْطَارِ السَّمَاءِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِذَوِي الْعُقُولِ مَا يَسُوقُ غَيْرَهُمْ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ كَالْأَوْضَاعِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي تَهْتَدِي بِهَا الْحَيَوَانَاتُ لِمَنَافِعِهَا وَمَضَارِّهَا، وَخَرَجَ بِالِاخْتِيَارِ الْأَوْضَاعُ الْإِلَهِيَّةُ الِاتِّفَاقِيَّةُ وَالْقَسْرِيَّةُ السَّائِقَةُ لَا فِي الِاخْتِيَارِ كَالْوِجْدَانِيَّاتِ، وَخَرَجَ بِالْمَحْمُودِ الْكُفْرُ فَإِنَّهُ وَضْعٌ إلَهِيٌّ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَسَائِقٌ لِذَوِي الْعُقُولِ بِاخْتِيَارِهِمْ لَكِنْ بِاخْتِيَارٍ مَذْمُومٍ وَبِالذَّاتِ مُتَعَلِّقٌ بِسَائِقٍ، يَعْنِي أَنَّ الْوَضْعَ الْإِلَهِيَّ بِذَاتِهِ سَائِقٌ لِأَنَّهُ مَا وُضِعَ إلَّا لِذَلِكَ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ خَيْرًا بِالذَّاتِ أَنَّهُ خَيْرٌ بِالنَّظَرِ إلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَتَخْرُجُ صِنَاعَةُ الطِّبِّ وَالْفِلَاحَةُ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ تَعَلَّقَتَا بِالْوَضْعِ الْإِلَهِيِّ أَعْنِي تَأْثِيرَ الْأَجْرَامِ الْعُلْوِيَّةِ فِي السُّفْلِيَّةِ وَكَانَتَا سَائِقَتَيْنِ لِذَوِي الْأَلْبَابِ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودَ إلَى صِنْفٍ مِنْ الْخَيْرَاتِ، فَلَيْسَتَا تُؤَدِّيَانِهِمْ إلَى الْخَيْرِ الذَّاتِيِّ الَّذِي هُوَ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ وَالْقُرْبُ إلَى خَالِقِ الْبَرِّيَّةِ وَالْخَيْرُ النَّفْعُ الَّذِي لَا ضَرَرَ مَعَهُ وَهُوَ حُصُولُ الشَّيْءِ لِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا لَهُ وَمُنَاسِبًا لَهُ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَمَالِ اعْتِبَارِيٌّ، لِأَنَّ الْحَاصِلَ الْمُنَاسِبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ كَمَالٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُؤَثِّرٌ خَيْرٌ.
الثَّالِثُ: أُمُورُ الدِّينِ أَرْبَعَةٌ: الصِّحَّةُ بِالْعَقْدِ، وَالصِّدْقِ بِالْقَصْدِ، وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، وَاجْتِنَابُ الْحَدِّ.
أَمَّا الصِّحَّةُ بِالْعَقْدِ فَالِاعْتِقَادُ الصَّحِيحُ السَّالِمُ مِنْ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ وَالتَّجْسِيمِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ، وَأَمَّا الصِّدْقُ بِالْقَصْدِ فَالْعِبَادَاتُ بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلُ بِالْإِخْلَاصِ، وَأَمَّا الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ فَأَدَاءُ الْفَرَائِضِ فِي أَوْقَاتِهَا، وَأَمَّا اجْتِنَابُ الْحَدِّ فَاجْتِنَابُ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجْمَعُ هَذِهِ كُلَّهَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] .

نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 26
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست