responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 79
{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] .

وَمَنْ عَاقَبَهُ بِنَارِهِ: أَخْرَجَهُ مِنْهَا بِإِيمَانِهِ فَأَدْخَلَهُ بِهِ جَنَّتَهُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ إرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَلَا يُقْطَعُ لَهُ بِعَفْوٍ وَلَا عِقَابٍ بَلْ هُوَ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ عُقُوبَتِهِ يُقْطَعُ لَهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَبِعَدَمِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ، هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ.
قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ:
وَمَنْ يَمُتْ وَلَمْ يَتُبْ مِنْ ذَنْبِهِ ... فَأَمْرُهُ مُفَوَّضٌ لِرَبِّهِ
خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ لِظَاهِرِ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 14] وَخِلَافًا لِلْمُرْجِئَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ مَعْصِيَةٌ، وَخِلَافًا لِلْخَوَارِجِ الْقَائِلِينَ بِتَخْلِيدِ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ فِي النَّارِ وَلَا إيمَانَ لَهُ، وَأُجِيبَ عَمَّا تَمَسَّك بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُلُودِ طُولُ الْإِقَامَةِ لَا الدَّوَامُ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى كَوْنِ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ الَّذِي لَمْ يَتُبْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ} [النساء: 48] أَيْ لَا يَسْتُرُ الْإِشْرَاكَ (بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَتَّ الْحُكْمَ عَلَى خُلُودِ عَذَابِ الْكُفْرِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ. (وَيَغْفِرُ) كَرَمًا وَفَضْلًا (مَا دُونَ ذَلِكَ) أَيْ مَا دُونَ الْكُفْرِ مِنْ الذُّنُوبِ وَلَوْ الْكَبَائِرِ (لِمَنْ يَشَاءُ) وَمَنْ أَرَادَ تَعْذِيبَهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَقَرَارُهُ الْجَنَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ إلَّا الْكُفَّارُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْطَعْ لَهُ بِالْعَفْوِ لِئَلَّا تَكُونَ الذُّنُوبُ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ وَلَا بِالْعُقُوبَةِ لِقَوْلِهِ: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] لَكِنْ يَجِبُ اعْتِقَادُ تَعْذِيبِهِ بَعْضًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ تَنْفِيذًا لِلْوَعِيدِ لِوُجُوبِ صِدْقِ إيعَادِهِ تَعَالَى، وَيَكْفِي تَعَوُّذُهُ وَلَوْ فِي وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَهْلِ الزِّنَا وَوَاحِدٍ مِنْ الْمُحَارِبِينَ، وَيَجِبُ اعْتِقَادُ إخْرَاجِهِ وَإِدْخَالِهِ الْجَنَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ:
وَوَاجِبٌ تَعْذِيبُ بَعْضٍ ارْتَكَبَ ... كَبِيرَةً ثُمَّ الْخُلُودُ مُجْتَنَبْ
فَالْآيَةُ مُفِيدَةٌ لِأَمْرَيْنِ: كَوْنِ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَالثَّانِي: عَدَمِ غُفْرَانِ الْكُفْرِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الْغُفْرَانِ تَخَلُّفُ الْوَعِيدِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: 47] وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَوْعَدَ الْعَاصِيَ بِالْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ بَعْدَ الْإِيعَادِ بِالْعُقُوبَةِ مَحْضُ كَرْمٍ، بِخِلَافِ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِمَا وَعَدَ بِهِ الطَّائِعَ مِنْ الثَّوَابِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَنَزُّهُ الْبَارِي عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ بُخْلٌ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ الْكَبَائِرِ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تُكَفَّرْ بِغَيْرِ التَّوْبَةِ كَالْحَدِّ وَالْحَجِّ الْمَبْرُورِ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْحَدِّ أَنَّهُ جَابِرٌ وَالْحَجُّ مُكَفِّرٌ حَتَّى الْكَبَائِرَ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ صَارَ بِلَا ذَنْبٍ، وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي غَفْرِ الْكَبَائِرِ سِوَى مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ زِنًا وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَا يُسْقِطُهَا حَجٌّ وَلَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَفِّرَاتِ إنَّمَا تُسْقِطُ إثْمَ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَعَلَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ: وَجَعَلَ مَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مُكَفِّرٌ لَهَا أَوْ لَمْ يُسْلِمْ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْحُدُودَ جَوَابِرُ وَلَا الْقَوْلَ بِتَكْفِيرِ الْحَجِّ لِلْكَبَائِرِ، فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِإِهْمَالِ هَذَا الْقَيْدِ، الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ صَغَائِرَ وَمَاتَ قَبْلَ تَكْفِيرِهَا بِتَوْبَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا لَيْسَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، إذْ نَقَلَ الشَّاذِلِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّ الْكَافِرَ فِي النَّارِ بِإِجْمَاعٍ وَكَذَا الْمُسْتَحِلَّ لِلْمَعَاصِي.
وَالْمُؤْمِنَ الطَّائِعَ فِي الْجَنَّةِ بِإِجْمَاعٍ، وَالْعَاصِيَ بِالصَّغَائِرِ يُسْأَلُ وَلَا يُعَاقَبُ، وَالْعَاصِيَ بِالْكَبَائِرِ التَّائِبَ فِي الْجَنَّةِ بِإِجْمَاعٍ، وَغَيْرَ التَّائِبِ فِي الْمَشِيئَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّالِثُ: جَرَى خِلَافٌ فِيمَنْ مَاتَ زَمَنَ الْفَتْرَةِ أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ أَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَدَامَ عَلَى جُنُونِهِ وَكَذَا أَوْلَادُ الْكُفَّارِ فَقِيلَ الْجَمِيعُ فِي الْمَشِيئَةِ، بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَفِي الْجَنَّةِ اتِّفَاقًا، وَأَهْلُ الْفَتْرَةِ هُمْ الْأُمَمُ الْكَائِنَةُ بَيْنَ أَزْمِنَةِ الرُّسُلِ وَلَمْ يُرْسَلْ إلَيْهِمْ الْأَوَّلُ وَلَا أَدْرَكَهُمْ الثَّانِي يَشْمَلُ مَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، إلَّا أَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
مَنْ عَرَفَ اللَّهَ بِالْعَقْلِ دَخَلَ فِي شَرِيعَةٍ كَوَرَقَةِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَمْ لَا كَقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْأَيَادِي وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ مِمَّنْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَحُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّ أَصْحَابَهُ نَاجُونَ عَلَى الصَّحِيحِ وَمُثَابُونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَثَانِي الْأَقْسَامِ: مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ وَلَمْ يُوَحِّدْ وَشَرَّعَ أَحْكَامًا، كَعَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ سَنَّ لِلْعَرَبِ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَسَيَّبَ السَّوَائِبَ وَبَحَّرَ الْبَحَائِرَ وَحُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ. وَثَالِثُ الْأَقْسَامِ: مَنْ لَمْ يُشْرِكْ وَلَمْ يُوَحِّدْ وَلَا دَخَلَ فِي شَرِيعَةٍ بَلْ فَنِيَ عُمْرُهُ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الْفَتْرَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمُهُمْ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَهُمْ فِي الْمَشِيئَةِ وَلَا يُوصَفُونَ بِإِيمَانٍ وَلَا كُفْرٍ.
وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ صَرَّحَ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ بِأَنَّ أَبَوَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَا عَلَى الْكُفْرِ هُوَ مَبْنِيٌّ

نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 79
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست