responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 81
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآخِرَةِ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ إلَّا جَمَاعَةٌ مَخْصُوصَةٌ جَاءَ فِيهَا النَّصُّ مِنْهُمْ حَاتِمُ الطَّائِيُّ لِكَرْمِهِ لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ «لَمَّا أَسْلَمَ وَلَدُهُ عَدِيٌّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ قَدْ رَفَعَ عَنْ أَبِيك الْعَذَابَ الْأَلِيمَ بِسَبَبِ سَخَائِهِ» .
وَمِنْهُمْ أَبُو لَهَبٍ لِأَنَّهُ لَمَّا بَشَّرَتْهُ أَمَتُهُ ثُوَيْبَةُ بِوِلَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَهَا. وَمِنْهُمْ «أَبُو طَالِبٍ فَإِنَّهُ لَمَّا مَاتَ قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا ابْنَ أَخِي إنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَعُولُك وَيَكْفِيك أَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ إنِّي وَجَدْته فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ النَّارِ وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي أَسْفَلِ الدِّرْكَاتِ مِنْ النَّارِ» ، وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] وَغَيْرَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَالْحَقُّ أَنَّ التَّخْفِيفَ عَنْ أَبِي طَالِبٍ إنَّمَا هُوَ بِالشَّفَاعَةِ، وَلَعَلَّ التَّخْفِيفَ الْحَاصِلَ لِهَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ الْعَذَابِ بِجِنَايَتِهِمْ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا سِوَى الْكُفْرِ، وَأَمَّا عَذَابُ الْكُفْرِ فَلَا يُخَفَّفُ وَلَا يُفَتَّرُ وَلَا يُغْفَرُ كَمَا قَدَّمْنَا.
الثَّانِي: جَعَلْنَا صِلَةَ يَعْمَلُ بِقَلْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِيَشْمَلَ عَمَلَ الْقَلْبِ الْهَمَّ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً. وَإِنْ هَمَّ بِهَا وَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلَى سَبْعِمِائَةٍ إلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ بِحَسَبِ مَرَاتِبِ الْإِخْلَاصِ» ، وَأَمَّا مَا يَقَعُ مِنْ النَّفْسِ عَلَى قَصْدِ الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ عَلَى خَمْسِ مَرَاتِبَ: الْهَاجِسُ وَهُوَ مَا يُلْقَى فِيهَا وَالْخَاطِرُ وَهُوَ مَا يَجْرِي فِيهَا، وَحَدِيثُ النَّفْسِ وَهُوَ التَّرَدُّدُ هَلْ يَفْعَلُ أَوْ يَتْرُكُ، وَالْهَمُّ وَهُوَ أَنْ يَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ قَصْدُ الْفِعْلِ، وَالْعَزْمُ وَهُوَ قُوَّةُ الْقَصْدِ وَالْجَزْمُ بِهِ، فَالْهَاجِسُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَطْرُقُهُ قَهْرًا عَلَيْهِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ مِنْ الْخَاطِرِ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى دَفْعِهِمَا لَا يُؤْخَذُ بِهِمَا لِحَدِيثٍ: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» وَإِذَا تَجَاوَزَ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ فَمَا قَبْلَهُ أَوْلَى، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ مَرْفُوعَةٌ إلَى جَانِبِ الْمَعْصِيَةِ وَلَا أَجْرَ فِيهَا فِي جَانِبِ الْحَسَنَةِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَأَمَّا الْهَمُّ فَتَفْتَرِقُ فِيهِ الْحَسَنَةُ مِنْ السَّيِّئَةِ، فَقَدْ بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ بِالْحَسَنَةِ يُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةٌ وَبِالسَّيِّئَةِ لَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ، وَلَا يُنْظَرُ فِي التَّرْكِ إنْ كَانَ تَرَكَ السَّيِّئَةَ لِلَّهِ كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ بِالْهَمِّ.
وَأَمَّا الْعَزْمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ لَكِنْ تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ مُطْلَقَةٌ حَيْثُ تَرَكَهَا لِغَيْرِ خَوْفِ اللَّهِ، وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ الْمَعْصِيَةُ الَّتِي عَزَمَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ يُعْتَبَرُ الْعَزْمُ فِي جَانِبِ السَّيِّئَةِ فَيُعْتَبَرُ فِي جَانِبِ الْحَسَنَةِ بِالْأَوْلَى، وَيَظْهَرُ لِي عَلَى مُقْتَضَى كَرَمِهِ تَعَالَى فِي جَانِبِ السَّيِّئَةِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ ثَوَابَ الْحَسَنَةِ الْمَعْزُومِ عَلَيْهَا لَا حَسَنَةً مُطْلَقَةً وَحَرَّرَهُ، الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِحَدِيثِ النَّفْسِ وَالْهَمِّ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّكَلُّمِ وَالْعَمَلِ، وَأَمَّا لَوْ انْضَمَّ لَهُمَا فِعْلٌ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِالْهَمِّ وَالْعَمَلِ وَلَا تُفْهَمُ أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِالْعَمَلِ فَقَطْ اهـ.
وَأَقُولُ: الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَاتُ أَنَّ الْمُؤَاخَذَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فَقَطْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 16] .
وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] ، وَهَلْ يُوجَدُ عَمَلٌ بِلَا تَقَدُّمِ هَمٍّ؟ وَيَلْزَمُ عَلَى كَلَامِهِ أَنْ يُؤَاخَذَ بِالْعَزْمِ وَبِالْعَمَلِ وَلَا تَظُنُّ صِحَّةَ هَذَا، وَمُقَدَّمَاتُ الزِّنَا تُدْرَجُ فِي حَدِّ الزِّنَا، وَالْأَطْرَافُ تُدْرَجُ فِي الْقَتْلِ وَحَرَّرَهُ.
الرَّابِعُ: الْمُصَنِّفُ لَمْ يَقْصِدْ لَفْظَ التِّلَاوَةِ وَإِلَّا لَقَالَ: فَمَنْ يَعْمَلْ بِالْفَاءِ وَلَا قَصَدَ رِوَايَةَ الْقُرْآنِ بِالْمَعْنَى لِعَدَمِ جَوَازِهِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَلَمْ يُحَاكِ كُلَّ مَا فِي التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَحَلِّ التَّدْلِيلِ وَإِلَّا لَقَالَ: وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ، وَمِثْلُ هَذَا التَّغْيِيرِ يُغْتَفَرُ فِي الِاقْتِبَاسِ كَمَا هُنَا، وَالذَّرَّةُ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ وَقِيلَ أَدَقُّ الْأَشْيَاءِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخْرِجُ مَنْ أَدْخَلَهُ النَّارَ مِنْ الْعُصَاةِ بِسَبَبِ إيمَانِهِ مِنْ غَيْرِ شَفَاعَةِ أَحَدٍ، ذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِشَفَاعَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عَاطِفًا عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْهَا بِإِيمَانِهِ: (وَيُخْرِجُ) أَيْضًا - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - (مِنْهَا) أَيْ مِنْ النَّارِ (بِشَفَاعَةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَمَفْعُولُ يَخْرُجُ (مَنْ شَفِعَ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (لَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ) الْكَائِنِ (مِنْ أَمَتِهِ) وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ اعْتِقَادُ أَنَّ نَبِيَّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَشْفَعُ فِي بَعْضِ الْعُصَاةِ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ النَّارِ فَيَقْبَلُ اللَّهُ شَفَاعَتَهُ.
قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ:
وَوَاجِبٌ شَفَاعَةُ الْمُشَفَّعِ ... مُحَمَّدٌ مُقَدَّمًا لَا تُمْنَعْ
وَغَيْرُهُ مِنْ مُرْتَضَى الْأَخْيَارِ ... يَشْفَعُ كَمَا قَدْ جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ
وَحَقِيقَةُ الشَّفَاعَةِ لُغَةً: الْوَسِيلَةُ وَالطَّلَبُ. وَعُرْفًا سُؤَالٌ لِلْغَيْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَشْفَعُ قَوْله تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] . وقَوْله تَعَالَى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5] فَقِيلَ: إنَّ مَعْنَاهُمَا الشَّفَاعَةُ.

نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 81
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست