responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 1  صفحه : 44
فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ، وَنَفَى قَوْمٌ إِيجَابَ الْوُضُوءِ لمِنْ لَمْسِ النِّسَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلِكُلٍّ سَلَفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، إِلَّا اشْتِرَاطَ اللَّذَّةِ فَإِنِّي لَا أَذْكُرُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ اشْتَرَطَهَا.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: اشْتِرَاكُ اسْمِ اللَّمْسِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُهُ مَرَّةً عَلَى اللَّمْسِ الَّذِي هُوَ بِالْيَدِ، وَمَرَّةً تُكَنِّي بِهِ عَنِ الْجِمَاعِ.
فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ اللَّمْسُ بِالْيَدِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ رَآهُ مِنْ بَابِ الْعَامِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، فَاشْتَرَطَ فِيهِ اللَّذَّةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ مِنْ بَابِ الْعَامِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ فَلَمْ يَشْتَرِطِ اللَّذَّةَ فِيهِ، وَمَنِ اشْتَرَطَ اللَّذَّةَ فَإِنَّمَا دَعَاهُ إِلَى ذَلِكَ مَا عَارَضَ عُمُومَ الْآيَةِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْمِسُ عَائِشَةَ عِنْدَ سُجُودِهِ بِيَدِهِ وَرُبَّمَا لَمَسَتْهُ. وَخَرَّجَ أَهْلُ الْحَدِيثِ حَدِيثَ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، فَقُلْتُ: مَنْ هِيَ إِلَّا أَنْتِ؟ فَضَحِكَتْ» قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا الْحَدِيثُ وَهَّنَهُ الْحِجَازِيُّونَ وَصَحَّحَهُ الْكُوفِيُّونَ، وَإِلَى تَصْحِيحِهِ مَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، قَالَ: وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْبَدِ بْنِ نَبَاتَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ مَعْبَدِ بْنِ نَبَاتَةَ فِي الْقُبْلَةِ لَمْ أَرَ فِيهَا وَلَا فِي اللَّمْسِ وُضُوءًا.
وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنَ اللَّمْسِ بِالْيَدِ بِأَنَّ اللَّمْسَ يَنْطَلِقُ حَقِيقَةً عَلَى اللَّمْسِ بِالْيَدِ، وَيَنْطَلِقُ مَجَازًا عَلَى الْجِمَاعِ، وَأَنَّهُ إِذَا تَرَدَّدَ اللَّفْظُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ. وَلِأُولَئِكَ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ الْمَجَازَ إِذَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ كَانَ أَدَلَّ عَلَى الْمَجَازِ مِنْهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَالْحَالِ فِي اسْمِ الْغَائِطِ الَّذِي هُوَ أَدَلُّ عَلَى الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مَجَازٌ مِنْهُ عَلَى الْمُطْمَئِنِّ مِنَ الْأَرْضِ الَّذِي هُوَ فِيهِ حَقِيقَةٌ.
وَالَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ اللَّمْسَ وَإِنْ كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِالسَّوَاءِ أَوْ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ أَنَّهُ أَظَهَرُ عِنْدِي فِي الْجِمَاعِ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا ; لِأَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - قَدْ كَنَّى بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْمَسِّ عَنِ الْجِمَاعِ وَهُمَا فِي مَعْنَى اللَّمْسِ، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِي الْآيَةِ يُحْتَجُّ بِهَا فِي إِجَازَةِ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ دُونَ تَقْدِيرِ تَقْدِيمٍ فِيهَا وَلَا تَأْخِيرٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَعْدُ، وَتَرْتَفِعُ الْمُعَارَضَةُ الَّتِي بَيْنَ الْآثَارِ وَالْآيَةِ عَلَى التَّأْوِيلِ الْآخَرِ.
وَأَمَّا مَنْ فَهِمَ مِنَ الْآيَةِ اللَّمْسَيْنِ مَعًا فَضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْعَرَبَ إِذَا خَاطَبَتْ بِالِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ إِنَّمَا تَقْصِدُ بِهِ مَعْنًى وَاحِدًا مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الِاسْمُ لَا جَمِيعَ الْمَعَانِي الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَهَذَا بَيِّنٌ بِنَفْسِهِ فِي كَلَامِهِمْ.

نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 1  صفحه : 44
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست