نام کتاب : موسوعة الفقه المصرية نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 31
إبراء
1- التعريف به:-
الابراء فى اللغة التنزبه من التلبس بشئ وفى الشريعة اسقاط شخص حقا له فى ذمة آخر كإسقاط الدائن دينا له فى ذمة مدينه بقوله، له: ابرأتك من ديونى أو ما يفيد ذلك العنى يريد بذلك إسقاط ما فى ذمته من دين له.
وقد يكون الابراء فى صورة اخبار به مثل ان يقول الدائن: أبرأت فلانا من دينى، فى معرض اقراره بذلك، وقد يكون فى صورة هبة كأن يقول الدائن لمدينه وهبتك ما لى فى ذمتك من دين. وقد يكون فى وصية كأن يقول الدائن لمدينه أوصيت
لك بما فى ذمتك من دين لى فلا يبرأ بذلك ألا بعد وفات. وقد يكون فى صورة اقرار كما فى ابراء الاستيفاء، وسيأتى.
- والابراء كما يظهر من التعريف به اسقاط لحق شخص قبل شخص آخر
- ولذا كان ضربا أو نوعا من الاسقاط، لأن الاسقاط كما يكون تركا لحق فى ذمة شخص واطراحا له كما فى اسقاط الدين تشغل به ذمة المدين يكون لحق ثابت لصاحبه دون ان تشغل به ذمة آخر كما فى اسقاط الشفيع حقه فى الشفعة وكما فى اسقاط الموصى له بسكنى دار حقه فى سكناها وعلى ذلك يكون كل ابراء اسقاطا وليس كل اسقاط ابراء ومع ظهور هذا المعنى فيه على هذا التفسير فانه يحتمل تفسيرا آخر يجله من قبيل التمليك، ذلك لأن صاحب الدين لا يستطيع محو دينه الثابت فى ذمة مدينه وإنما يستطيع تركه واطراحه وذلك ما يعنى تركه للمدين وتمليكه اياه وعدم مطالبته به.
وعلى هذا الأساس البادى من التأويلين السابقين ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والزيدية والشيعة الإمامية الى أنه يحمل معنيين معنى الاسقاط بالنظر إلى الدائن إذ قد تخلى عنه فلم يبق من عناصر ثرائه وأنقطعت مطالبته به ومعنى التمليك بالنظر إلى المدين إذ قد تملكه فزاد ثراؤه بقدره ألا يرى أنه- كان مطالبا بانتقاص قدره من ماله فى سبيل الوفاء به فاستبقى له ذلك وذلك ما يعنى تملكه إياه وقد كان لهذين المعنيين فيه أثر فيما أعطى من أحكاما فأعطى بعض أحكام التمليك تغليبا لهذه الناحية فيه، وأعطى بعض أحكام الإسقاط تغليبا لهذه الناحية فيه، كما كان من قبيل التبرع لأنه يتم لا فى نظير عوض.
أما الحنابلة:
فقد كان نظرهم إليه على أنه إسقاط فكان له حكم الإسقاط عندهم فى جميع أحواله أو أن ذلك كان نظر جمهورهم [1] .
2- أركانه:
وركنه عند الحنفية الإيجاب الصادر من صاحب الحق وهو ما يصدر منه من عبارة تدل على ترك حقه واطراحه دلالة واضحة لا احتمال فيها أو ما يقوم مقام ذلك من كتابة أو إشارة.
والشافعية ومن أجرى علي اصطلاحهم يرون أن أركانه "أربعة": صاحب الحق المبرأ وعبارته " الإيجاب " والحق المبرأ منه والمدين إذان الإبراء لا يتحقق إلا بهذه الأركان ولا يتصور إلا بها.
ويكون إيجاب فيه بمثل إبرأتك من دينى أو أحللتك منه أو أسقطته عنك أو ملكتك إياه أو تركته لك أو نحو ذلك.
ويرى ابن حزم عدم صحته بألفاظ التمليك مثل وهبت أو أعطيت أو ملكت لأنه لا يملك ألا الشئ الموجود المادى المعلوم مكانه، أما الأوصاف الأعتبارية فلا تقبل تمليكا، ولكنه مع ذلك أستثنى صحته بلفظ التصديق، وإن كانت من ألفاظ التمليك، لورود النص بذلك، فقد قال تعالى: " ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا ([2]) " وتصدقهم عند ذلك انما يكون بتنازلهم عنها وإبرائهم منها، ولما روى عن أبى سعيد الخدرى قال: أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثمار أبتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تصدقوا عليه "، وهو خطاب لغرمائه، وتصد قهم يكون بابرائه من ديونهم [3] .
3- قبول الابراء من المدين:-
الدين حق خالص لصاحبه واقدام صاحبه على إسقاطه تصرف منه فى خالص حقه دون أن يمس ذلك حقا لغيره ودون أن يستوجب تكليفا على أحد ومن ثم لم يتوقف نفاذه على قبوله ممن عليه الدين بل ينفذ مع رد المدين له ... ذهب إلى ذلك الحنابلة وجمهور الحنفية والشافعية وجمهور الشيعة الجعفرية تغليبا لمعنى الإسقاط فيه على التمليك [4] . وذهب زفر إلى أنه يتوقف على القبول لغلبة معنى التمليك فيه وهو قول لبعض الشيعة الجعفرية.
وللمالكية، الزيدية فى ذلك قولان، أحدهما: أنه يتوقف على القبول مراعاة لجانب التمليك فيه وهو الأرجح.
وثانيهما: أنه لا يتوقف ويتم من غير قبول بل ومع رده مراعاة لمعنى الإسقاط فيه كالطلاق والعتق. وعلى القول باشتراط القبول فيه عند المالكية يجوز أن يتراخى القبول عن مجلس الإيجاب، وهو صريح ما ذكره ابن عرفة، كما يجوز رجوع الدائن فيه قبل القبول [5] .
وإذا كان الإبراء من الدين بهبته للمدين كان توقفه على القبول محل خلاف عند الحنفية، ذهب بعضهم إلى أن هبة الدين للمدين لا تتوقف على القبول فتنفذ مع سكوت المدين فى مجلس الإيجاب لما فيها من معنى الإسقاط [6] . وهو مذهب الشافعية والحنابلة. وذهب آخرون إلى أنها تتوقف لما فيها من معنى التمليك وذلك رأى المالكية فيها لأنها نص فى التمليك. وكذلك يرى الحنفية أن الإبراء من الكفالة والحوالة لا يتوقف على القبول ولا يرتد بالرد لتمحضه فى معنى الإسقاط، وأستثنى الحنفية من عدم توقف الإبراء على القبول الإبراء عن بدلى الصرف والسلم، إذ يرون توقفه على القبول دون خلاف فيه عندهم، حتى لا ينفرد أحد العاقدين فيهما وهو من أبرأ بفسخ عقد الصرف أو السلم وكلاهما عقد لازم لا يجوز أن يستبد بفسخه أحد طرفيه إذ أن فى نفاذ الإبراء فوات القبض فى المجلس وهو شرط فى صحه كل منهما.
والمشهور عند الحنفية أن هبة الدين للمدين وإبراءه منه كلاهما يتم من غير قبول ويرتد بالرد فهما فى ذلك سواء وإذا إرتدا بالرد لم يجز قبول بعد الرد لبطلان الإيجاب بالرد.
4- رد الإبراء من المدين
ذهب الحنفية والزيدية إلى أن الإبراء يرتد برد المدين فى المجلس وبعده ما دام لم يحدث منه قبول صريح قبل رده، وذلك لما فيه من معنى التمليك.
ومن الحنفية من قيد صحة الرد ونفاذه بأن يكون فى مجلس الإبراء لا بعده، فالرد بعد المجلس لا أثر له عندهم، والرد فى المجلس صحيح يرتد به الإبراء ولا يسقط به الدين إذا لم يسبقه قبول صريح له من المدين لأن الرد، بعده غير صحيح مطلقا فى المجلس وبعده. وتستوى هبة الدين للمدين فى هذا الحكم مع الإبراء منه. وخالف الشافعية والحنابلة فذهبوا إلى أن الإبراء يتم بإرادة الدائن ولا يرتد برد المدين تغليبا لمعنى الإسقاط فيه. ولذا لايفتقر الى القبول من المدين عندهم.
ويرى المالكية أنه يرتد بالرد فيبطل الإيجاب برد المدين لغلبة معنى التمليك فيه ولذا يحتاج القبول عندهم على الأصح وذهب الحنفية إلى صحة إبراء المدين بعد موته وعندئذ يرتد برد الوارث عند أبى يوسف خلافا لمحمد.
وإذا كان الإبراء إبراء من الحوالة كان أبرأ المحتال المحال عليه عن الحوالة، أو كان ابراء من الدائن للكفيل من كفالته، أو كان الإبراء مطلقا بعد طلبه من المدين- لم يرتد والرد مطلقا.
أما فى الإبراء من الحوالة والكفالة فلتمحضه فى الاسقاط فلم يتوقف على القبول ولم يقبل الرد. وأما الابراء بعد طلبه من المدين فلأن رده يعد كأنه رد بعد قبوله ولا يرتد الابراء بالرد بعد القبول [7] .
وذهب الزيدية الى أن الابراء وتد يرتد لغلبة معنى التمليك فيه ولذا توقف على القبول عندهم، فإن خلا من معنى التمليك فكان اسقاطا محضا كالإبراء من الشفعة لم يتوقف على القبول ولم يرتد بالرد.
ومن الزيدية من غلب فيه معنى التمليك فى جميع أحواله فتوقف على القبول عندهم وأرتد بالرد [8] .
وإذا صدر الإبراء من فضولى توقف على أجازة الدائن فإن أجازه نفذ عند الحنفية والزيدية.
شروط الإبراء:
من شروط الإبراء شروط ترجع إلى المبرئ، وشروط ترجع إلى صيغة الإبراء وشروط ترجع إلى المبرأ، وشروط ترجع إلى المبرأ منه.
فأما ما يرجع إلى المبرىء فهو أن يكون من أهل التبرع فيجب أن يكون عاقلا بالغا غير محجور عليه لسفه أو لدين، لأن الإبراء تبرع من الدائن إذ لا يقابله عوض من المدين، ويلاحظ أن عدم الحجر للدين انما هو شرط نفاذ، فإبراء المحجور عليه بسبب الدين لمدينه صحيح متوقف على إجازة دائنيه لأن منعه من التبرع إنما هو للمحافظة على حقوقهم ... وهذا مذهب الحنفية مع ملاحظه أن أبا حنيفة رحمه الله لا يرى الحجر للدين وإنما يراه الصاحبان وأثره عندهما هو المنع من التبرع محافظة على حقوق الغرماء دون أن يمس الحجر أهلية المحجوز عليه للدين، أما من يراه ماسا بأهليته من الفقهاء فهو عندهم شرط صحة.
(أنظر مصطلح حجر ومصطلح تبرع)
كما يشترط فيه أن يكون ذا ولاية فى إبرائه كأن يكون هو الدائن أو وصيا على الدائن وقد وجب الدين منه أثرا لعقد باشره عنه فعند ذلك تصح براءته ويضمن ما أبرأ المدين منه، ولكن إذا كان الدين لم يجب أثرا لعقده لم يصح إبراؤه.
وأما ما يرجع إلى الصيغة فهو أن تكون دالة دلالة ظاهرة غير محتملة على تمليك الحق للمدين أو على سقوطه.
وأما ما يرجع إلى المدين المبرأ فهو أن يكون معلوما غير مجهول، فإذا كان مجهول لم يصح إبراؤه، كما لو قال شخص: أبرأت كل مدين لى، أو كل مدين لمورثى، أو أبرأت أحد هذين. ولكن إذا كان من أبرأه الدائن محصورا معلوما، كأبرأت هؤلاء المدينين لى صح الإبراء.
وقد ذهب إلى اشتراط هذا الشرط فى المبرأ الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية.
ومن الفقهاء الحنابلة من ذهب إلى أن الدائن إذا قال: أبرأت أحد غريمى هذين صح الإبراء وطلب إليه التبيين والبيان.
ولكن جاء فى كشاف القناع أن المذهب عدم صحة الإبراء مع إبهام المحل، كأبرأت أحد غريمى هذين أو أبرأت فلانا من أحد دينى اللذين فى ذمته والشافعية لا يرون صحه الإبراء مع جهالة المدين المبرأ لغلبة معنى التمليك، فيه ولايملك المجهول وعلى هذا لايصح الإبراء ولو كان.
بصيغة إقرار إذا ما قال الدائن: لا دين لى قبل أحد. أو قال: كل مدين لى فهو برىء إلا أن يتبين أنه يقصد بذلك شخصا بعينه [9] .
ويشترط الزيدية مع ما تقدم خلو الإبراء من التدليس فإذا أفهم شخص دائنه بأن ما عليه من الدين حقير. تافه فأبرأه منه بناء على ذلك ثم تبين خلاف ذلك للدائن لم يصح إبرأؤه لغلبة معنى التمليك فيه.
وأما ما يرجع الى الحق موضوع الايراء
فهو ما يأتى:
أولا: ألا يكون عينا من الأعيان، والأعيان المشخصة لا تثبت فى الذمة فلا تقبل الإسقاط وإنما يقبل الإسقاط ما يشغل الذمم من الحقوق ولذا كان الإبراء من الأعيان المشخصة باطلا. أما ما كان من الإعيان دينا فإنه يقبل الإبراء إذ أنه يقبل الإسقاط كالديات من الإبل مثلا ونحو ذلك
وعلى ذلك إذا غصب شخص كتابا فأبرأه منه مالك الكتاب كان إبرأء. باطلا لا يترتب عليه أثر 00.وعلى ذلك صح الإبراء عن الديون بأنواعها.
وصح الإبراء عن الدعوى لانها حق فإذا قال المدعى للمدعى عليه أبرأتك من أدعاء هذه العين أو من دعواى هذه العين لم تقبل له فيها دعوى ملك بعد ذلك " مجمع الانهر " وكذلك يصح إبراء الدائن الكفيل من الكفالة وإبراؤه المحال عليه من الحوالة
إذ البراءة فيهما تنصب على حق هو الكفالة أو الحوالة.
ثانيا: أن يكون موجودا عند الإبراء وعلى ذلك عل الإبراء من الحق قبل وجوده، فلا يصح أن تبرأ شخصا من كل ما سيقرضه منك أو مما سيجب لك علية، كما لا يصح ابراء الزوجة زوجها من نفقة مستقبلة ولا من نفقة العدة قبل أن يطلقها، لأن الإبراء- إسقاط وما سيوجد ساقط فعلا فلا يقبل إسقاطا. وسنبين فيما يأتى الحكم فى الإبرأء عن النفقة.
ولا يشترط فى الحق المبرأ منه أن يكون معلوما ... ذهب إلى ذلك الحنفية والحنابلة والمؤيد من الزيدية، فجوزوا الإبرأء من الحق المجهول سواء أكان مجهولا لدى المبرئ أم لدى المبرأ.
وخالف فى ذلك الشافعية والناصر من الزيدية فاشترطوا علم المبرىء بما أبرأ منه واستثنوا من هذا الحكم أن يكون الدائن جاهلا مقدار دينه ولكنه ذكر له عند الإبراء منه نهاية يتحقق أن دينه دونها فى المقدار، كما إذا قال له أبرأتك من دينى البالغ الفا جنيه وهو متحقق من أن دينه دون ألالف [10] .
وذهب الحنابلة الى أن البراءة من الدين لاتصح اذا كان المبرىء لايعلم بوجود الدين فى حين أن المدين يعلمه ولكنه كتمه عنه خوفا من أنه إذا علمه طالبه به ولم يبرئه منه لأن هذا يعد هضما للحق وظلما للدائن ولا يعد الإبراء فى هذه الحال صادرا من صاحبه عن إرادة معتبرة وإنما صدر منه على وجه الهزلى أو اللعب ويرون صحه الإبراء من المجهول ولو لم يتعذر العلم به، كما يرون صحه الإبراء
ممن يعتقد أنه لا لدين له فى ذمة من أبراء" ثم تبين أنه كان مدينا عند إقدامه على إبرائه. والإبراء من دين الأب مع ظن حياته فبان أن الأب كان ميتا عند صدور الإقرار [11] .
وذهب الزيدية إلى عدم صحة الإبراء مع التدليس كأن يبرىء الدائن مدينه بناء على تفهيم المدين اياه بأنه فقير أو أن الدين حقير ثم تبين خلاف ذلك [12] . وأختلف الزيدية فى صحة الإبراء من المجهول، فمنهم من ذهب إلى صحته ومنهم من ذهب الى عدم صحته.
موضوع الابراء
الإبراء عن الأعيان
الإبراء عن الحقوق
ذكرنا فى شروط الإبراء أن الإبراء لا يكون إلا عن حق للمبرىء قبل غيره ويجب فيه وأن يكون موجودا عند الإبراء وهذا محل اتفاق بين المذاهب. وذكرنا أنه لا يشترط فيه- أن يكون معلوما عند المبرأ ولا عند المدين المطالب به وهو من عليه الحق وذكرنا خلاف الشافعية فى ذلك، وبناء على ذلك كان الإبراء عن الأعيان غير صحيح ولا يترتب عليه أى أثر فى أكثر أحواله أذ أن الإبراء اسقاط أو يحمل معنى الإسقاط، والأعيان بطبيعتها لا تقبل الإسقاط، ولذا يصح الإبراء فيها إذا كان القصد منه الإبراء من حق متعلق بها لا الإبراء منها، أما الإبراء منها فلا أثر له.
ولايعد تمليكا لها بناء على ما يحمله من معنى التمليك بل تظل فى يد من هى فى يده مملوكة لصاحبها وله إذا ظفر بها أن يأخذها ولكن مع ذلك لا تسمع دعواه بها بعد الإبراء منها إذ ينصرف إبراؤه هذا إلى حق الإدعاء بها، فلا يبقى له حق فى الدعوى بها بعد الإبراء بل يسقط به. وليس هذا الحكم محل إتفاق عند الحنفية فقد جاء فى الخلاصة قال: أبرأتك عن هذه الدار أو عن خصومتى فيها أو عن دعواى فيها. فهذا كله باطل حتى لو ادعاها بعد هذا الإبراء سمعت دعواه ولو أقام بينته لاثباتها قبلت.
وجاء فى الخانية أن الإبراء عن العجين المغصوبه إبراء عن ضمانها وتصير به أمانة فى يد الغاصب، ولو كانت العين مستهلكة صح الإبراء وبرأ من قيمتها.
وقد نقل صاحب الأشباه هذا وعلق عليه بقوله: فقولهم الإبراء عن الأعيان باطل معناه أنها لا تكون به ملكا وإلا فالإبراء عنها بقصد سقوط ضمانها صحيح أو يحمل قولهم على الإبراء عن الأمانة، أى أن البطلان محل إذا كان الإبراء عن أعيان هى أمانة لأنها اذا كانت أمانة لم تلحقه عهدتها فلا وجه للابراء منها.
وحاصله: ان الابراء المتعلق بالأعيان أما أن يكون عن دعواها وذلك صحيح بلا خلاف مطلقا لأنه فى الواقع إسقاط لحق وأما أن يتعلق بنفسها. فإن كانت فى هذه الحال مغصوبة هالكة صح أيضا كالإبراء من الدين إذ يعد إبراء من قيمتها، وإن كانت قائمة كان معنى البراءة منها البراءة من ضمانها لو هلكت فتصير بعد هذا الإبراء كالأمانة لا تضمن إلا بالتعدى عليها.
ويرى الزيدية أن الإبراء عن العين المضمونة مثل أن يبرىء مالكها الغاصب إسقاط لضمانها 00.وهذا أحد قولى المؤيد بالله، وذهب بعضهم إلى أنه يفيد إباحتها.
وذهب زفر إلى عدم صحة الإبراء فى هذه الحال فتظل بعده العين مضمونة (خانية) .
وإن كانت العين أمانة فالبراءة منها لاتصح ديانة بمعنى أنه إذا ظفر بها صاحبها أخذها وتصح قضاء فلا يجوز للقاضى أن يسمع دعواه بها بعد البراءة.
ويرى الزيديه أنه يعد إباحة لها فيجوز لذى اليد أن يستهلكها ولمالكها أن يرجع عن هذا الإبراء قبل إستهلاكها. ومنهم من ذهب إلى أن الإبراء عن الأعيان يفيد تمليكها لافرق فى ذلك بين عين مضونة وعين هى أمانة فى يد صاحب اليد عليها [13] .
وبناء على ما تقدم لايصح الإبراء عن الأعيان على معنى تمليكها لمن هى فى يده وإنما يفيد ابراءه عن ضمانها إذا كانت يده مضمونة فتنقلب أمانة فى يده. وكذلك لا يصح بالنسبة إلى الأعيان غير المضمونة على هذا الإعتبار، وإنما يصح على أساس البراءة من الإدعاء بها. وعليه يكون للمبرأ أن يأخذها إذا ما ظفر بها لأنها مازالت على ملكه. وكذلك لا يصح الإبراء من الحقوق التى لا تقبل الإسقاط كحق الرجوع فى الهبة والرجوع فى الوصية، لأن فى جواز ذلك تغييرا للشرع وذلك غير جائز خالافا للممالكية كما فى التزامات الحطاب.
وكذا لا يصح الإبراء من خيار رؤية المبيع ولا من حق الإستحقاق فى الوقف: حق الإرث لنفس السبب.
أما ما عدا ذاك من الحقوق المالية أو المتعلقة بالأموال فيصح الإبراء منها كالإبراء من الديون بأنواعها، والإبراء من الديات، والإ براء من القصاص، والإبراء من حق القسم بالنسبة إلى الزوجة، والإبراء من حق الإنتفاع، ومن حق الفسخ بخيار العيب ونحو ذلك من الحقوق التى تثبت فى الذمم. وفيما يلى بيان لأحكام الإبراء فى بعض الحقوق لاختصاصها بأحكام خاصة.
الابراء من نفقة الزوجة:
إذا صارت نفقة الزوجة دينا فى ذمة زوجها صح إبراؤه منها أما قل شغل ذمة الزوج.
بها فلا يصح إبراء الزوج منها لأن الإبرا لا يكون إلا من دين قائم موجود عند حدوثه كما قدمنا.
وبناء على ذلك لايصح إبراء الزوجة زوجها من نفقتها إلا إذا كانت مفروضة بالقضاء أو الرضا عند الحنفية، لأنها ألا تصير دينا واجبا عندهم إلا بفرضها من القاضى أو بالتراضى إذ تشغل بها ذمة الزوج بذلك لا قبل ذلك، إذا ما ابتدأت مدتها، فإذا فرضت مشاهرة شغلت بها ذمة الزوج بدخول الشهر فيصح الابراء عن نفقة هذا الشهر فى بدايتة اذا ما حل أو فى أثنائه، ولا يصح عن نفقة شهر آخر يأتى لمجده لأن الذمة لم تشغل بها، كما يصح الإبراء عن النفقات المتجمدة التى سبق فرضها.
لصيرورتها دينا شاغلا للذمة لعدم أدائها، وعلى ذلك إذا أبرأت الزوجة زوجها فى بداية السنة عن نفقتها لم يصح الإبراء إلا إذا كانت قد فرضت لها مسانهة فان كانت قد فرضه مشاهرة صح الإبراء من الشهر الأول فقط. منها، وإن كانت مياومة صح عن اليوم الأول منه الذى حدث فيه الابراء وما قد يكون سبقه من الأيام وهكذا.
وهذه الأحكام محل اتفاق لاتفاق الفقهاء على اشتراط وجود الدين عند الإبراء غير أنه يلاحظ أن من الفقهاء من لا يشترط فى شغل ذمة الزوج بنفقة زوجته القضاء بها أو التراضى عليها (أنظر نفقة الزوجة فى نفقة وبما تصير دينا فى ذمة الزوج) .
المبارأة بين الزوجين:
المبارأة مفاعلة من البراءة وتكون بين الزوجين لفصم عرى الزوجية بينها نظير عوض مالى تدفعه الزوجة لزوجها وتستوجب سقوط الحقوق الزوجية بينهما، ويترتب عليها بينونة الزوجة بطلقة بائنة عند الحنفية فهى بين الزوجين بمنزلة الخلع بينهما فتفيد انفصام عقد الزواج مع سقوط الحقوق الزوجية لكل منهما قبل الآخر نظير ما تدفعه الزوجة لزوجها وذلك بأن يقول الزوج لزوجته: بارأتك على ألف جنيه.
فتقول له: قبلت.
أو ما فى معنى ذلك، والمعنى خالعتك من الزواج على ذلك وهذا عند الحنفية (انظر مصطلح خلع)
يجوز إبراء المدين بعد وفاته من دينه وهذا محل إتفاق وفى التتار خانية.. رجل مات فوهبت له امرأته مهرها الشاغل لذمته جاز لأن "قبول المدين ليس بشرط فى صحة البراءة. وقال قاضيخان: رجل له على آخر دين فبلغه أنه قد مات فقال: جعلته فى حل من دينى، أوقال أبرأته منه. ثم ظهر أنه حى لم يكن للدائن المبرىء أن يأخذه منه لأنه قد وهبه إياه بلا شرط.
وفيه دليل على عدم صحة. رجوع المبرأ عن إبرائه ... هذا وقد اختلفت الحنفية فى جواز رد الإبراء من الوارث إذا ما أبرأ الميت دائنه..
وقد علمت الشافعية والحنابلة يرون أن الإبراء لا يرتد بالرد وفى ارتداده بالرد عند الزيديه خلاف، وهو مذهب المالكية وإن كان الأرجح عندهم أنه يرتد بالرد [14] .
أحوال صيغة الابراء:
الأصل فى الإبراء أن يكون منجزا" مثل أن يقول الدائن لمدينه ابرأتك من دينى، واذا علق على شرط لم يصح ولم يترتب عليه أثر ... ذهب إلى ذلك الحنفية والشافعية والحنابلة، وذلك لما فيه من معنى التمليك. فكان معتبرا بالتمليكات وإن كان فيه معنى الإسقاط وهذا إذا علق على غير الموت، فان علق على الموت صح، وكذلك إذا أضيف إلى ما بعده لأنه يكون حينئذ وصية والوصية بالبرأءة من الدين جائزة ... ذهب إلى ذلك الحنابلة والحنفية.
وجاء فى البحر أن تعليق الإبراء على الشرط مفسد له إذا كان الشرط غير متعارف، أما إذا كان الشرط متعارفا فانه يصح تعليقه عليه. وقال أنه يجب تقييد كلام من قال الفقهاء كصاحب الكنز أن الإبراء يبطل بتعليقه على الشرط. ويؤيد ذلك ما جاء فى القنية وهو أن تعليق الإبراء على الشرط المتعارف جائز.
وفساد الإبراء بالتعليق إنما يكون فى الإبراء الذى يعد تمليكا كالإبراء من الدين أما الذى يعد من قبيل الإسقاط كالإبراء من الكفالة أو الحوالة فيصح تعليقه بالشرط الملائم. فإذا قال الدائن المكفيل: إن وافيتنى بالمدين غدا فأنت برىء من الكفالة. فوافاه به فى الغد برأ منها ... ذهب إلى ذلك بعض الحنفية واختاره صاحب التكملة وقال إنه الأوجه لأن الإبراء فى هذه الحال إسقاط محض.
وجاء فى البحر على الكنز إن الإبراء يجوز تقييده بالشرط الصحيح ويبطل إذا اقترن بالمشرط الفاسد وأن أضافة الإبراء تبطله وإذا اقترن بخيار الشرط صح الإبراء وبطل الشرط (15)
وذهب الزيدية الى صحة الإبراء مع اقترانه بالشرط ولا يضيره أن يكون شرطا مجهولا وقت حدوثه أو شرطا لا تتعلق به أغراض الناس كتقييده بنزول المطر أو بنعيب الغراب مثل أن يقول الدائن لمدينه: أبرأتك بشرط نزول المطر فى وقت كذا أو عند نزول المطر. وإذا قيد بشرط لم يصح الرجوع فيه قبل تحقق الشرط أى إذا علق على شرط لم يصح أن يرجع فيه قبل تحقق الشرط.
وهذا دليل صحة تعليقه على المشرط عند الزيديه، وأجازوا أن يكون فى نظير عوض مالى أو غير مالى كأبرأتك على أن تهب لى كذا أو على أن تطلق زوجتك فلانة فإذا تحقق ذلك صح وإلا لم يصح وتصح اضافته إلى الموت عندهم وعندئذ يكون وصية (16)
أنواع الابراء:
يتنوع الإبراء بالنظر إلى صيغته نوعين عند الحنفية: إبراء إسقاط، وإبراء استفاء فإذا دلت صيغته وضعا على الإسقاط كأبراتك من الدين أو أسقطت عنك الدين أو أحللتك منه أو تصدقت به عليك، أو نحو ذلك.. كان إبراء إسقاط لأن الدائن قد عبر بما يدل على أنه قد ترك دينه وأسقطه عن مدينه، وسواء فى ذلك أن يكون ذلك بالنسبة إلى الدين كله أم بالنسبة إلى بعضه.
وإذا دلت صيغته على أن زوال الدين بسبب وفائه كان إبراء استيفاء، ويكون ذلك بإقرار الدائن باستيفاء دينه من مدينه كقوله: استوفيت دينى قبل فلان، ونحو ذلك.
مما يدل على هذا المعنى من العبارات وإنما سمى هذا النوع إبراء نظرا إلى نتيجته وهى عدم جواز المطالبة به بعد ذلك.
وسواء فى ذلك أن يكون المدين قد قام بالوفاء فعلا أم لا، إذ الأثر فى الحالين واحد، وهن عين الأثر فى النوع الأول وذلك الأثر هو سقوط الدين.
ولاختلاف هذين النوعين فى العبارة الدالة- على زوال الدين ودلالتها قالوا إن إبراء الإسقاط يختص بالديون إذ أن العبارة فيه صريحه فى اسقاطها، ولا يصغ فى الأعيان، وذلك لعدم صحه إسقاط الأعيان.
أما إبراء الاستيفاء فإنه يكون فى الدين والعين جميعا من إذ الإقرار بالوفاء كما يتحقق فى الدين يتحقق فى العين، وذلك بدفعها إلى مالكها [17] .
وإبراء الاستيفاء إذا كان إقرارا بالوفاء كما بينا لا يحمال معنى الاسقاط، ويتمحض تمليكا بخلاف إبراء الاسقاط، فإنه كما تقدم، كما يمكن أن يعد تمليكا للدين للمدين، يمكن أن يعد اسقاطا له. ذلك لأن وفاء الدين لا يكون إلا بتمليك مثله للدائن.
ومن هذا قال فقهاء الحنفية أن الديون تقضى بأمثالها، فإذا أعطى المدين الدائن مثل دينه فيه فقد ملكه مثله واستوجب عليه بهذا التمليك مطالبته به لولا ما عليه من دين مماثل يستوجب عليه مطالبته به من قبل الدائن فسقطت مطالبته بما أوفى نظير سقوط مطالبة الدائن إياه بما له من دين فى ذمته.
وهذا معنى قولهم ان الدينين يلتقيان قصاصا. ونتيجة لذلك يرى أن ذمة كل من
المدين والدائن بعد الوفاء بالدين مشغولة فذمة المدين لاتزال مشغولة بالدين ولكن لا يطالب به، وذمة الدائن أصبحت بالوفاء مشغولة بما أعطى فى دينه فإذا ما أبرأ الدائن مدينه فى هذه الحال أى يعد وفاء الدين إبراء اسقاط صادف ذلك الإبراء محلا وهو دينه الذى لا يزال شاغلا ذمة المدين فسقط بذلك الإبراء وخلصت ذمته منه وأصبحت ذمة الدائن وحدها مشغولة بما كان قد أعطى فى دينه من المال لا فى نظير شىء، فكان للمدين بسبب ذلك أن يسترد من الدائن مما سبق إن كان وفاه به، وهذا هو حكم الإبراء من الدين بعد الوفاء به.
أما إبراء الاستيفاء فإذا كان إقرارا بالوفاء لم يكن إلا إخبارا بما حدث من تمليك للدائن فى نظير دينه، فلم يترتب عليه سقوط أحد العوضين، ولم يكن للدائن ولا للمدين مطالبة الأخر [18] بشىء، وهذا هو اختيار السرخسى، والصدر الشهيد، وذكر خواهر زاده: أنه لا رجوع فى الحالين، واختاره بعض المشايخ.
ويتنوع إبراء الاسقاط بالنظر إلى موضوعه نوعين: إبراء خاص وإبراء عام، فيكون خاصا إذا ما كان موضوعه حقا معينا أو حقوقا معينة مثل أن يقول شخص لآخر: أبرأتك من دينى أو من ديونى التى ثبتت لى فى ذمتك فى سنة كذا أو من دعواى هذه الأرض أو من جميع الدعاوى التى رفعتها عليك أو القائمة بينى وبينك الآن.
ويكون عاما إذا كان موضوعه عاما يتناول كل حق للمبرأ قبل شخص معين أبرأه. على أن عموم الإبراء وخصوصه مسألة نسبية، فإن قول شخص لآخر: أبراتك من كل دعوى تتعلق بأى عقار تحت يدك فى بلد كذا، يعد عاما بالنسبة لما تحت يد المبرأ من عقار فى هذا البلد، ويعد خاصا بالنظر إلى حقوقه كلها، سواء تعلقت بهذا العقار أو بغيره والإبراء سواء أكان خاصا أو عاما لا يتناول إلا ما تدل عليه العبارة من حق قائم عند الإبراء، ولا يتناول ما يجد ممن حقوق بعده، وإن شملته العبارة كما تقدم ذلك.
وبناء على ذلك إذا قال شخص لآخر:
لاحق لى قبلك، يشمل جميع الدعاوى المتعلقة بالأعيان أمانة كانت أم مضمونة، وجميع الديون وجميع الحقوق من كان حق هو مال ومن كل حق ليس بمال كالكفالة والقصاص وحق القذف وما إلى ذلك فلا تسمع منه دعوى بحق ثابت على هذا الإبراء وكذلك إذا قال أبرأت فلانا من كل دعوى لى قبله لا يحق له أن يدعى عليه بشئ سابق على هذا الإبراء سواء أكان الادعاء متعلقا بدين أو بعين وإذا قال أبرأته من كل دين لى قبله سقطت جميع ديونه التى له قبل هذا الإقرار، فلا يملك مخاصمته فى دين سابق عليه.
وجاء فى تكملة ابن عابدين: لا تسمع دعوى بعد الإبراء العام إلا ضمان الدرك. والضمان الدرك هو ضمان ما يدرك المبيع أو اليمن من استحقاق الغير له كله، أو بعضه بعد العقد ".
ذلك لأن ضمان الدرك الحق فيه لم يثبت إلا بعد الإبراء وإن كان سببه سابقا على صدوره فعند صدوره لم تكن الذمة مشغولة بشىء معين، ولم يحكم بالإستحقاق إلا بعد الإبراء ولو قال أبرأت فلانا من كل حق لى عنده تناول الأمانات فيسقط الإدعاء بها دون الديون [19] .
وفيه حكم الرجوع عنه وبطلانه ببطلان ما تضمنه.
حكم الإبراء:
إذا صدر الإبراء مستوفيا شروطه ترتب عليه أثره، وهو سقوط الحق المبرأ منه كان الإبراء خاصا، وإذا سقط لم تجز المطالبة به بعد ذلك، وإذا كان عاما شمل جميع الحقوق الموجودة عند صدوره التى تتناولها عبارته فلا تجوز المطالبة بحق منها ولا يتناول ما يحدث بعده من الحقوق ولزم ذلك المبرىء فلا يقبل منه رجوع ولا عدول فيه، لأن الحق إذا سقط لم يعد مرة أخرى، وهو مذهب الحنفية والحنابلة [20] .
وقد جاء فى تكملة ابن عابدين أن الدائن لإيملك أن يرجع فى هبته الدين لمدينه بعد قبوله ويرجع فيها قبل قبوله، لأنها اسقاط أى والساقط لا يعود.
وذهب الشافعية إلا أن الإبراء إذا كان من أب لولده لم يصح الرجوع فيه على قول مراعاة لمعنى الإسقاط فيه ويصح الرجوع فيه على قول آخر مراعاة لمعنى التمليك ألا يرى أن الأب له الرجوع فى هبته لابنه، ذكر ذلك الرافعى.
وقال النووى: ينبغى ألا يكون للمبرئ حق الرجوع عن ابرائه فى جميع الأحوال.
وجملة القول أن الابراء إنما يتناول ما تدل عليه عبارة المبرىء من حق قائم عند صدورها، أما يحدث من الحقوق بعد ذلك فلا يتناوله الإبراء.
ومن المسائل التى فرعت على ذلك ما إذا أدعى المبرئ حقا وكانت دعواه بعد الإبراء دون أن يؤرخ ثبوت هذا الحق له، ففى الاستحسان أنها لا تسمع حملا للحى على انه سابق على الإبراء "حامديه" وقد ذكروا أن الدعوة بعد الإبراء العام تسمع فى أربع مسائل:
ا- إذا أبرأ إبراء عاما ثم ادعى عليه ضمان الدرك فى بيع سابق على الإبراء، إذ الحق وهو الضمان لم يحدث إلا بعد الإبراء فتسمع استحسانا.
2- اذا بلغ القاصر فأبرأ وصية من كل حق ثم ظهر له شئ لم يكن يعلمه سمعت دعواه إذ التناقض مغتفر فيما فيه خفاء.
3- إذا أقر الوصى أنه استوفى جميع ما كان للميت على الناس جميعا ثم ادعى على رجل دينا للميت سمعت دعواه لارتفاع التناقض بسبب وجود الخفاء، وأيضا: يلاحظ فيه المبرأ مجهول وتقدم عدم صحة إبراء المجهول.
4- إذا أقر الوارث أنه استوفى جميع، ما كان للمورث على الناس جميعا ثم أدعى لمورثه دينا على آخر سمعت دعواه للسبب السابق فى المسألة فى قبلها.
هذا ويبطل الإبراء اذا بطل ما تضمنه إذا كان الإبراء قائما على حقوق تترتب على ما تضمنه وبناء على ذلك إذا باع شخص عينا وقبض ثمنها، وتضمن عقد البيع براءة البائع من كل دعوى تتعلق بالعين أو براءة المشترى من كل دعوى تتعلق بالثمن، ثم بطل البيع لاستحقاق العين المبيعة فإنه لا يكون لهذا الإبراء الذى تضمنه عقد البيع أثر فى استحقاق المشترى مطالبة البائع برد الثمن كما لا يكون، له أثر فى مطالبة المشترى برد المبيع إذا ما كان الثمن عينا ظهر استحقاقها فبطل البيع بناء على ذلك.
وكذلك إذا تضمن الصلح إبراء من أحد طرفيه للآخر ثم بطل الصلح بسبب من الأسباب بطل تبعا لذلك ما تضمنه من الإبراء،لأن الإبراء كان من عناصر الصلح فإذا بطل الصلح بطلت أيضا عناصره (21) إبراء المريض:
يراد بالمريض من به مرض الموت وهو ما يغلب فيه الموت عادة ويتصل به، والإبراء
عند الحنفية كما قدمنا. إما إبراء اسقاط وإما إبراء استيفاء، فإن كان إبراء اسقاط فهو فى مرض الموت من قبيل التبرع المنجز وحكمه حكم الوصية، وإن لم يكن وصية فإن كان لوارث توقف على إجازه سائر الورثة، وأن كان لأجنبى نفذ فى حدود ثلث التركة بعد سداد الديون، ولا تنفذ فيما زاد على ذلك لا بإجازة الورثة بعد وفاة المبرئ وهم من أمل التبرع عالمين بما أجازوا.
وفى حكم إبراء الوارث إبراء المريض أجنبيا من دين كفله أخد ورثته لأن أبراء الأصيل يستلزم براءة الكفيل فكان إبراؤه المدين الأجنبى إبراء لوارثه.
وإن كان الإبراء الصادر من المريض إبراء استيفاء وقد علمت أنه عبارة عن إقراره باستيفاء حقه، أختلف الحكم فيه بإختلاف أحواله بحسب صدوره لوارث أو لأجنبى فى حدود الثلث أو فيما تجاوزه، وفيه أختلاف الفقهاء (أنظر مصطلح إقرار) وإلى مذهب الحنفية ذهب الزيدية.
وأعلم أن الإبراء إذا صدر فى صورة إقرار كأن يقول المريض لا حق لى قبل فلان ونحوه، فإن كان ذلك لوارث توقف نفاذه على تصديق سائر الورثة عند الحنفية سواء إعتبرته إقرار أم إبراء.
وإن كان لأجنبى فهو نافذ أن عد اخبارا وله حكم الوصية أن عد إبراء من دين معلوم [22] .
ذلك رأى الحنفية. أمال لشافعية فلهم رأيان فى إبراء المريض لوارثه وفى إبرائه
لأجنبى عنه، أحدهما يقضى بصحته فى الحالين.
والآخر يقضى بإعطائه حكم الوصية كما ذهب إليه الحنفية [23] .
ولم نعثر على رأى للحنابلة فى إبراء المريض غير أن رأيهم فى إقرار المريض كرأى الحنفية فيه فهل الأمر كذلك فى الإبراء؟
وذهب ابن حزم إلى أنه لا فرق بين إبراء المريض. وإبرأء الصحيح، ذلك لأنه لا يرى تفرقة بين تصرف الصحيح وتصرف المريض فى الحكم، والحكم فيهما الصحة والنفاذ فى جميع الأحوال (24) [1] راجع تكملة ابن عابدين ج2 ص347 طبعة بولاق،والاشباه للسيوطى ص187 والدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج4 ص99 طبعة الحلبى، وشرح الأزهار المتفرع من الغيث المدرار ج4 ص258، وكشاف القناع ج2 ص477. [2] آية 92 سورة النساء. [3] المحلى ج9 ص117. [4] المهذب للشيرازى من كتاب الهبة ج1 ص454 والأشباه للسيوطى ص188 وكشاف القناع ج2 ص478. [5] الدسوقى على الشرح الكبير ج4 ص99 وشرح الأزهار ج4 ص258 والفروق للقرافى ج2 ص101، 111. [6] نهاية المحتاج ج5 ص 410. [7] كشاف القناع ج2 ص478. [8] شرح الأزهار ج4 ص298 وما بعدها.
الشرح الكبير للدردير ج4 ص99.
الأشباه والنظائر لابن نجيم طبعة إسلامبول تكملة ابن عابدين ج2 ص347 طبعة بولاق، كشاف القناع ج2 ص347 طبعة بولاق.
كشاف القناع ج2 ص478 طبعة المطبعة الشرفية سنة 1319.
الأشباه للسيوطى ص188 وما بعدها.
المهذب ج2 ص454 طبعة دار الكتب العربية لمصطفى الحلبى.
مطالب أولى النهى شرح غاية المنتهى ج4 ص392 وما بعدها طبعة سنة 1961.
(انظر مصطلح حجر ومصطلح تبرع) [9] كشاف القناع ج2 ص 478طبعة المطبعة الشرقية، الأشباه للسيوطى ص187.
جامع الفصولين المطبعة الأزهرية سنة 1300 ههجرية ج1 ص125 وما بعدها. [10] الأشباه للسيوطى ص571 [11] كشاف القناع ج2 ص478. [12] شرح الأزهار ج4 ص298، 299. [13] حاشية الدسوقى على الشرح الكبيرج4 ص99.
الأزهار ج4 ص298.
كشاف القناع ج2 ص478.
الأشباه للسيوطى ص188.
الدر وابن عابدين ج2 ص614 وما بعدها طبعة الحلبى.
الأشياه للسيوطى ص187. [14] المهذب للشيرازى ج1 ص454
جامع الفصولين ج2 ص2،4،182
التكملة على الهداية ج7 ص44.
البحرج7 ص310،322.
الهندية ج4 ص385.
مطالب اولى النهى ج4 ص392،393.
(15) شرح الأزهار ج4 ص258.
(16) تكملة ابن عابدين ج1 ص359. [17] الفتاوى الهند ج4 ص204. [18] تكملة ابن عابدين ج2 ص347 طبعة بولاق. [19] كشاف القناع ج2 ص478 المطبعة الشرقية سنة 1319. [20] الاشباه للسيوطى ص 188.
(21) تكملة ابن عابدين ج1 ص359
الفتاوى الهند ج4 ص204. [22] تكملة ابن عابدين ج2 ص347 طبعة بولاق.
كشاف القناع ج2 ص478 المطبعة الشرقية سنة 1319. [23] شرح الجوهرة على القدورى من كتاب الاقرار والاشباه والنظائر من كتاب القضاء والشهادة والدعوى ص 357 طبعة اسلامبول.
(24) الهندية ج4 ص179، 181.
تكملة أبن عابدين ج2 ص347.
والأزهار ج4 ص300.
نام کتاب : موسوعة الفقه المصرية نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 31