الرجعة إلى الدنيا، لا للتمتع بلذاتها واقتطاف شهواتها، وإنما ذلك ليقول:
{لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} من العمل، وفرطت في جنب الله، {كَلَّا}
أي: لا رجعة له ولا إمهال، قد قضى الله أنهم إليها لا يرجعون {إِنَّهَا} أي: مقالته التي تمنى فيها الرجوع إلى الدنيا {كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} أي مجرد قول اللسان لا يفيد صاحبه إلا الحسرة والندم، وهو أيضاً غير صادق في ذلك؛ فإنه لو رُدّ لعاد لما نُهِي عنه”[1].
ويدل على سؤال الرجعة وتمنيها حين الاحتضار قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ. وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [2].
فكل مفرّط يندم عند الاحتضار، ويتحسر على ما فرّط في وقت الإمكان، ويسأل الرجعة إلى الدنيا، ولو لمدة يسيرة، ليستعتب ويستدرك ما فاته وما فرّط فيه، ويتصدق ويكون من الصالحين، لكن هيهات فهذا السؤال والتمني قد فات وقته ولا يمكن تداركه؛ ولهذا قال تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي لا يؤخر أحداً بعد حلول أجله، وهو سبحانه أعلم وأخبر بمن يكون صادقاً في قوله وسؤاله ممن لو رُدّ لعاد إلى شر مما كان عليه3
قال أبو جعفر الطبري في تفسير هذه الآية: “يقول تعالى ذكره {وَأَنْفِقُوا} أيها المؤمنون بالله ورسوله، من الأموال التي رزقناكم {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ} إذا نزل به الموت: يا رب هلا أخرتني، فتمهل لي في الأجل {لَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [1] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص508. [2] سورة (المنافقون) ، الآيات 9- 11.
3 انظر تفسير القرآن العظيم 4/373 وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص802.