المبحث العاشر: الأعمال بالخواتيم المطلب الأول: الأدلة على أن الأعمال بالخواتيم
ذكر البخاري في كتاب القدر من صحيحه (باب العمل بالخواتيم) وساق بسنده حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهما: “عن سهل بن سعد أن رجلاً من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا، فاتبعه رجل من القوم، وهو على تلك الحال من أشدّ الناس على المشركين، حتى جرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً فقال: أشهد أنك رسول الله، فقال: وما ذاك؟ قال: قلت لفلان من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنه لا يموت على ذلك، فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إن العبد ليعمل عمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم” [1].
وفي موضع آخر ذكر البخاري (باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها) ، وذكر فيه الحديث السابق عن سهل بن سعد الساعدي وفيه قوله صلى الله عليه وسلم “إن العبد ليعمل ـ فيما يرى الناس ـ عمل أهل الجنة، وإنه لمن أهل النار، ويعمل ـ فيما يرى الناس ـ عمل أهل النار، وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيمها” [2].
قال ابن بطال: “في تغييب الله عن عباده خواتيم أعمالهم حكمة بالغة وتدبير لطيف؛ وذلك أنه لو علم أحد خاتمة عمله لدخل الإعجاب والكسل من [1] رواه البخاري، كتاب القدر، باب العمل بالخواتيم ح6607. [2] رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها ح6493.