منكم من أهليهم حينئذ إليهم ينظر، ونحن أقرب إليه بالعلم والقدرة والرؤية منكم، ورسلنا الذي يقبضون روحه أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون، فلولا إن كنتم غير مربوبين ومملوكين وغير مجزيين ترجعون تلك النفوس التي بلغت الحلقوم عند سكرات الموت إلى مقرها الذي كانت فيه، إن كنتم صادقين بأنكم غير مربوبين ولا مجزيين، ولن ترجعونها فبطل زعمكم[1].
قال ابن كثير ت774هـ في تفسير هذه الآيات:
يقول تعالى {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ} أي الروح {الْحُلْقُومَ} أي الحلق، وذلك حين الاحتضار، كما قال تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ. وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ. وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ. وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} ؛ ولهذا قال ههنا {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} أي إلى المحتضر، وما يكابده من سكرات الموت {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} أي بملائكتنا {وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} أي ولكن لا ترونهم، كما قال تعالى في الآية الأخرى {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ. ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [2]، وقوله تعالى: {فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} معناه فهلا ترجعون هذه النفس التي قد بلغت الحلقوم إلى مكانها الأول، ومقرها من الجسد، إن كنتم غير مدينين”[3].
6- وقد روى ابن كثير ت774هـ عن جماعة من السلف أن المراد بقوله تعالى {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً} [4]: الملائكة حين تنْزع أرواح بني آدم، فمنهم من تؤخذ روحه بعسر، فتغرق في نزعها، ومنهم من [1] انظر جامع البيان في تفسير القرآن 27/120، 121، ومعالم التزيل 4/290، 291. [2] سورة الأنعام، الآيتان 61، 62. [3] تفسير القرآن العظيم 4/301. [4] سورة النازعات، الآيتان 1 وَ 2.