كما فسرته الآية الأولى، قال هذا ابن عباس وسعيد بن جبير[1]، فما حرم الله سبحانه هو الدم المسفوح حملاً للمطلق على المقيد فغير المسفوح ليس داخلاً في النهي[2].
2- ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنا نطبخ اللحم فتعلو الصفرة على البرمة من الدم، فيأكل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكره"[3].
3- روى أبو غالب[4] عن أبي أمامة الباهلي[5] قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله، وأعرض عليهم شرائع الإسلام فأتيتهم فبينما نحن كذلك إذ جاءوا بقصعة[6] من دم، فاجتمعوا عليها يأكلونها، فقالوا: هلم فكل: فقلت: ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم، فأقبلوا عليه، قالوا: وما ذلك؟ فتلوت عليهم هذه الآية {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} 7"[8].
فقد أفاد هذا الحديث حرمة ما كان يفعله أهل الجاهلية، من تناول الدم المسفوح حيث كان أحدهم إذا أدركه الجوع أخذ محددا[9] من عظم أو نحوه فيقصد به بعيره أو غيره من الحيوانات ثم يجمع ما يخرج منه من الدم فيشربه وهذا هو الدم المسفوح. وقد [1] هو الإمام الحافظ المفسر أبو محمد سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي، مولاهم الكوفي، أحد الأعلام، لازم ابن عباس رضي الله عنهما، قتله الحجاج ظلما سنة 95?. راجع: سير أعلام النبلاء لمحمد بن أحمد الذهبي 4/321-343، الطبقات لابن سعد 6/256. [2] الجامع لأحكام القران 7/423 – 424 فتح القدير للشوكاني 2/8. [3] سبق الحديث في صفحة 142. [4] أبو غالب صاحب أبي أمامة، بصري، قيل اسمه حزور، وقيل سعيد بن الحزور، وقيل نافع، صدوق يخطئ. راجع: تقريب التهذيب برقم 8362. [5] هو الصحابي الجليل، صدي بن عجلان بن الحارث الباهلي، أبو أمامة مشهور بكنيته، سكن الشام وتوفي بها سنة 86?. راجع: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1242، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر برقم 4079. [6] القصعة: الضخمة تشبع العشرة، جمعها قصعات، والقصيعة تصغيرها. المصباح المنير للفيومي صفحة 506، لسان العرب لابن منظور 11/193.
7 سورة المائدة: الآية 3. [8] الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك 3/744، والطبراني في المعجم الكبير 8/279. [9] محددا: يقال سيف حاد أي قاطع ماض. المصباح المنير للفيومي صفحة 125، القاموس المحيط للفيروز آبادي صفحة 352.