الحديث الأول ذكر ثلاثة أصناف من النجاسات هي الخمر والميتة والخنزير، وفرَّع على الثاني وهو الميتة الشحوم، وذكر أن هذه النجاسات حرام بيعها، وحرام الانتفاع بالشحوم في طلاء السفن ودهن الجلود والإضاءة، فالحديث نص صريح في عدم الانتفاع بهذه النجاسات بيعاً واستعمالاً. وفي الحديث الثاني قاعدة فقهية عريضة في موضوع الانتفاع بالمحرَّمات، ومنها النجاسات، هي أن كل مُحرَّم الأكل مُحرَّم البيع. وفي الحديث الثالث تحريم بيع صنفين من النجاسات هما الدم والكلب، والبيع انتفاع. والحديث الرابع يدل على تحريم بيع الكلب «إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً» والحديث الخامس أمر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإتلاف السمن المتنجس بالميتة. وفي الحديث السادس رفض الرسول - صلى الله عليه وسلم - الانتفاع بالخمر حتى ولو صُنعت واستعملت كدواء.
فهذه أمثلة على تحريم الانتفاع بالميتة وشحومها، وتحريم الكلب والخنزير والدم والسمن المتنجس، ولو لم يكن من أدلة سوى الحديث الخامس لكفى، ذلك أن الأصناف السابقة هي من فئة النجس سوى ما جاء في الحديث الخامس، فهو من فئة المتنجس، ومع ذلك أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإلقائه وعدم الانتفاع به فإذا كان المتنجِّس يُتْلف فكيف بالنَّجس؟ ثم إذا علمنا أن الشرع قد نهى عن إتلاف المال، بل عن إتلاف أو إضاعة أدنى كمية منه، كاللقمة تسقط من اليد، لما روى جابر أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول «إذا طَعِم أحدكم فسقطت لقمته من يده، فلْيُمط ما رابه منها ولْيطعمها ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق يده، فإن الرجل لا يدري في أي طعامه يبارَك له ... » رواه ابن حِبَّان ومسلم وأحمد. أقول إذا كان الشرع قد نهى عن إضاعة اللقمة تسقط من اليد فكيف يأمر بإتلاف ما هو أثمن منها كالسمن تقع فيه نجاسة لولا أن الانتفاع به لا يجوز؟