وبالنظر في هؤلاء الآيات الكريمات نجد أن الآية {لا يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرون} تتحدث عن الكتاب المكنون الموجود في السماء، والذي تمسه الملائكة المطهَّرون، وليس عن القرآن الكريم الذي يمسه المسلمون المتطهِّرون، والدليل على ذلك ما يلي:
أ- المعلوم أن الضمائر في اللغة تعود إلى أقرب اسم يصلح لعودتها إليه، ويمكن للضمائر أن تعود إلى اسم أبعد إن كان الاسم الأقرب لا يصلح لعودتها إليه، أو كانت هناك قرينة تعيِّن الاسم الأبعد ليعود الضمير إليه، وما عدا هاتين الحالتين فالأصل في الضمير ما ذكرنا، وفي هذه الآيات الكريمات نجد أن ضمير يمسُّه - وهو مذكَّر غائب - قد سبقه اسمان: القرآن وكتاب، والقرآن هو الاسم البعيد، والكتاب هو الاسم القريب، والضمير المذكر الغائب يصلح أن يعود إلى الكتاب، وحيث أنه هو الاسم الأقرب، فالأصل أن يعود الضمير إليه لهذين السبين، ولأنه لا توجد قرينة تصرف عودته إلى القرآن، بل القرينة تؤكِّد عودته إلى الكتاب، وبذلك يكون معنى الآيات كما يلي: إنَّه لقرآنٌ موجود في كتاب، هذا الكتاب لا يمسُّه إلا المطهَّرون. أما الآية الأخيرة {تَنْزيلٌ مِنْ ربِّ العالمين} فهي وصفٌ للقرآن وليس للكتاب لقرينة {تنزيل} فهذا المعنى لا يصلح لوصف الكتاب المكنون به، لأن الكتاب المكنون لم ينزل، ولم ينزل إلا القرآن، فاستحق وصفه به دون وصف الكتاب المكنون.
قلنا قبل قليل (بل القرينة تؤكِّد عودته إلى الكتاب) ونقول هنا إنَّ هذه القرينة هي لفظة {المُطهَّرون} فهذه اللفظة وصفٌ للملائكة وليست وصفاً للإنسان، وحتى نقف على الدليل على ذلك لننظر في الآيات القرآنية التالية:
1- {ولهم فيها أزواجٌ مُطهَّرةٌ وهم فيها خالدون} الآية 25 من سورة البقرة.
2- {خالدين فيها وأزواجٌ مُطهَّرةٌ ورِضْوانٌ مِن الله} الآية 15 من سورة آل عمران.