هذا هو الحدُّ الأعلى للنفاس. أما الحد الأدنى فقد قال محمد بن الحسن من الأحناف، وأبو ثور: أقلُّه ساعة. وقال أبو عبيد: أقلُّه خمسة وعشرون يوماً. وقال الأئمة الأربعة والثوري والأوزاعي: إذا لم تر دماً تغتسل وتصلي. أي هم لم يحدوا حداً لأقله وهو الصحيح. وذلك لأن الشرع لم يحد له حداً معلوماً فوجب الرجوع فيه إلى أحوال النساء. فلو ولدت امرأة وتوقف نزول الدم بعد مضي ثلاثة أيام فإنها تغتسل وتصلي، بل لو ولدت وتوقف نزول الدم مباشرة نهضت واغتسلت وصلت. فقد رُوي أن امرأة ولدت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم تر دماً فسميت ذات الجفوف، وهذه حالة نادرة طبعاً. أما إن نزل الدم عشرة أيام مثلاً وتوقف عشرة أيام اغتسلت فيها وصلت، ثم إن عاودها الدم بعد توقف العشرة الأيام هذه فإنه دم نفاس، تتوقف فيه عن الصلاة ما دام ينزل، فإن توقف اغتسلت وصلَّت.
وقد استغربت تناول الأئمة لهذه المسألة واختلافاتهم فيها، فقد قال مالك: إنْ رأت الدم بعد يومين أو ثلاثة فهو نفاس، وإن تباعد ما بينهما فهو حيض. وقال أصحاب الشافعي: إذا رأت الدم يوماً وليلة بعد طُهر خمسة عشرة يوماً ففيه رأيان: أحدهما يكون حيضاً، والثاني يكون نفاساً. ونُقل عن أحمد روايتان: إحداهما أنه حيض، والأخرى أنه نفاس. وأنا لا أدري ما وجه الحكمة في هذا الخلاف؟ وما قيمة اعتبار الدم هذا حيضاً أو نفاساً؟ إذ لو كان للحيض حكم غير حكم النفاس لوجب الاهتمام بهذه المسألة، أما وأنه لا فرق بين أن يكون الدم حيضاً أو نفاساً فلماذا هذا البحث وهذا الخلاف؟.