إذن أئمة اللغة والحديث اختلفوا في تفسير هذه اللفظة، وجُلُّهم يفسرها بالردِّ والقلب، وما ترددهم إلا لأن اللغة استعملت اللفظة بالفتح، والحديث قُرئت فيه الكلمة بالكسر، وإذا اختلفت الآراء فلا بد من مُرجِّح وإلا ظل تفسيرها يحتمل أكثر من وجه، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال كما يقول الأصوليون. أي إما أن يظل الاحتمال قائماً فلا تصلح للاحتجاج، وإما أن يُزال الاحتمال بمرجِّح فيصح الاستدلال.
وبالرجوع إلى القرآن الكريم والحديث الشريف نجد المرجِّح واضحاً تماماً. أما القرآن الكريم فقد استعمل جذر هذه الكلمة في موضعين: الأول في الآية 88 من سورة النساء، والثاني في الآية 91 من السورة نفسها. الآية الأولى تقول {فَمَا لَكُمْ في المنَافِقِيْنَ فِئَتَيْنِ واللهُ أَرْكَسَهم بما كَسَبُوا} والآية الثانية تقول {كُلَّ مَا رُدُّوا إلى الفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيْها} وهاتان الآيتان تشيران إلى معنى واحد للرَّكس هو الرد والقلب، وهو ما يوافق تفسير القاموس المحيط وتفسير لسان العرب، وتفسير ابن عباس وابن حجر وابن جرير وأبي عبد الملك. فالصواب هو أن كلمة رَكس بالفتح معناها القلب والرد. هذا هو معناها في القرآن الكريم، وهو معناها في اللغة.
فإن قالوا إن القرآن استعمل جذر كلمة ركس بالفتح، أما الحديث فقد ورد فيه اللفظ بالكسر رِكس، ورِكس معناها نجس، قلنا لهم: وأين اللغة التي تحدد هذا المعنى أيضاً؟ فالقاموس المحيط فسَّر كلمة رِكس بالكسر بأن معناها رِجس وكذلك فسرها مختار الصحاح، ولم يُفسِّراها بنجس، وكلمة رِجس لا تعني النجس إلا بقرينة، ولا قرينة هنا.
والآن لننتقل إلى تفسير كلمة رِجس، وهي اللفظة الواردة في رواية ابن ماجة وابن خُزَيمة.