وبالتدقيق في هؤلاء الآيات يتبين أن كلمة رِجس الواردة فيها لها عدة معان، ليس منها النجاسة إلا في موضعٍ واحد وبالقرينة، كما سبق بحثه في بحث [سُؤر الحيوان] هو الآية الثالثة {إلا أَنْ يَكُوْنَ مَيتةً أو دَمَاً مَسْفُوحاً أو لَحْمَ خِنْزِيرٍ فإنَّه رِجْسٌ} وجميع المعاني الباقية تغاير هذا المعنى. ففي الآية الأولى ليس الميسر وليست الأنصاب نجسة، وفي الثانية تفيد معنى السوء، وفي الرابعة تفيد معنى العذاب، وفي الخامسة تفيد نجاسةً معنوية كما سبق تحقيقه، وفي السادسة تفيد عقاباً وسوءاً، وفي السابعة لم يقل أحد إن الأوثان نجسة، وفي الثامنة لا يقول أحد إن الله يريد أن يُذهب النجاسة عن أهل البيت، وفي التاسعة لا تفيد لفظة رِجس النجاسةَ في موضعيها من الآية. ولو شئتُ أن أجمع هذه المعاني كلها في كلمة واحدة لقلت إن معناها (سوء) ، وخذ الآيات كلها وفسِّرها بهذا المعنى فستجد انطباقها عليه. فكلمة رِجس تعني السوء، ولا تعني النجاسة إلا بقرينة كما أسلفنا. إذن فليس في القرآن ما يوجب تفسير الرِّجس بأنه النجس، فيكون معنى الحديث أن الروثة رَكس أي ردٌّ وقلبٌ، أو رِجس، بمعنى سوء. هذه هي دلالتها في اللغة وفي القرآن الكريم.
أما الحديث فقد فسَّر هذه اللفظة بأوضح بيان وأجلى عبارة، ونحن نعلم أن الحديث يفسر بعضه بعضاً.