سابعاً: وكدليل على أن الأَمارات تخطيء، هو ما حصل من الصحابيين الجليلين: أبي سعيد الخدري وعبد الله بن أنيس رضي الله عنهما. أما أبو سعيد فإنه كان قد سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رأى نفسه الكريمة تسجد في صبيحة ليلة القدر في الماء والطين، حسبما جاء في بعض الروايات، فعندما رأى أبو سعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في صلاة الصبح من ليلة إحدى وعشرين في الماء والطين، فهم من هذه الأَمارة أن ليلة القدر هي ليلة إحدى وعشرين، فراح ينشر رأيه هذا بثقة، فأخذ كثير من الأئمة والفقهاء بهذا الرأي. وأما عبد الله بن أنيس فإنه كان قد سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله كما جاء في الحديث رقم 7 من الأحاديث المتفرقة (وأُراني صبيحَتَها أسجد في ماء وطين، قال فمُطِرْنا ليلةَ ثلاثٍ وعشرين، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف، وإِن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه) فعندما رأى عبد الله بن أنيس رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في صبيحة ليلةِ ثلاثٍ وعشرين في ماء وطين، فهم من هذه الأمارةِ أن ليلة القدر هي ليلةُ ثلاثٍ وعشرين، فنشر رأيه هذا، فأخذ عدد من الفقهاء بهذا الرأي. إن ذلك يدل بما لا يدع مجالاً للشك على أن الأفهام تتفاوت في الاستدلال بالأَمارات وأن الاستدلال بها لا يعطيها درجة العلم، وإنما يبقيها في دائرة الظن، أو غلبة الظن. فقط أحببت التنبيه على أن الإدِّعاء بالعلم اليقيني هو حرام في هذه المسألة، لأنه تطاولٌ على علم رسول الله صلى الله عليه وسلم .