وَعَظنا موعظةً بليغة، ذرفَتْ منها العيون، ووَجِلتْ منها القلوب. فقال قائل: يا رسول الله، كأنّها موعظةُ مُودِّع؛ فأوْصِنا. فقال: "أُوصيكُم بتقْوى الله، والسمعِ والطاعةِ وإن كان عبداً حبشياً؛ فإنّه مَن يَعِشْ منكم بَعْدي فسَيَرى اختلافاً كثيراً؛ فعلَيْكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الرّاشِدِينَ المهديِّين. عَضُّوا عليها بالنَّواجِذ! وإيَّاكُم والمحدثَات! فإنّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعة! "، وفي رواية: "وإيَّاكُم ومُحْدَثَات الأُمور! فإنّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة! " [1].
وهكذا، فلفظ: "كُلّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة" و"كُلّ بِدْعَةٍ ضَلالَة" يدلّ دلالة واضحةً على عدم صحَّة هذا التقسيم.
المذهب الثاني: يرى أنّ المصافحة عقِب الصلاة دون سبب إلاّ الصلاة بِدْعة، ولا يصحّ فعْلها، ويُنَبَّهُ فاعلُها على ترْكها. ومن هؤلاء مَن ذهب إلى أكثر من هذا وقال: "بأنها مكروهة"[2].
هذا، وقد اعتمد أنصار هذا المذهب على أمْر واحد، ودعَّموه بالنقول الدالة عليه، وتعضيد ما قالوه؛ وذلك الأمرُ المعتبر مسنداً لهم هو: أنّ المصافحة عقِب الصلاةِ أمْرٌ مُحدَث لم يَثبُتْ وُرودُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف، فيحكم بِرَدِّه لِئلَّا يُؤدِّي [1] أخرجه أبو داود 4/200، والترمذي 5/44. [2] راجع: فتاوى العز بن عبد السلام صفحة 389، 390، ومجموع الفتاوى لابن تيمية 23/339، وفتح الباري 11/57، وتحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 7/515.