ودخول شهر رمضان، يوجب على المسلم البالغ العاقل المقيم الخالي من الموانع أن يمسك في نهاره من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس عن المفطرات كلها، وهذا يسمى بالصيام، فالصيام في اللغة، الإمساك عن الشيء وتركه، ومنه قول النابغة الذبيانيّ:
خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللُّجما
والمراد بالصائمة: الممسكة عن الصهيل.
ومن هذا، اشتق معنى الإمساك عن الكلام، قال تعالى:- حكاية عن مريم عليها السلام- {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} [سورة مريم، آية (26) ] أي نذرت صمتا وإمساكا عن الكلام فلن أنطق بأي كلام، ويؤيده قراءة أبَيٍّ رضي الله عنه: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً صَمتاً} بالجمع بين اللفظين، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ. صَمتاً}
والمسلم في صيامه مأمور بالإمساك عن المفطرات الحسية، وكذلك منهي عن النطق والكلام والتفوه بكل ما يخدش صومه، أو من شأنه أن يقلل أجر صيامه أو ينقصه، من سائر أنواع الكلام المحرم والمنهي عنه، كالكذب، والسباب والشتم، والغيبة والنميمة، والفحش في القول، والمراء والجدال الذي يا يترتب عليه إلا الحطُّ من حسناته، وزيادة سيئاته، لذلك فإن الصوم عن الكلام الرديء، من الأمور الأساسية التي أمر بها الصائم، حتى لا يؤدِّي كلامه هذا إلى النفور، الموصل إلى الفسق والفجور، فصوم الأتقياء، الذين ينشدون الكمال في صيامهم، وتشرئب أعناقهم إلى الوصول إلى الدرجات العليا للصائمين، هو أن لا يكون صمتهم إلا فكرا، ولا كلامهم ونطقهم إلا قرأءة وذكرا، واعتافا بفضل الخالق وشكرا.