وأما أولئك المفرطون، الذين تشبعت نفوسهم بالمعاصي، وابتعدت عن أعمال الطاعات، وزينت لهم الشياطين أفعالهم، وجالت بهم في ميادين اللهو والغفلة، فهم يرون في شهر الصيام حرمانا من ممارسة تقاليدهم اليومية، ومنعا لهم من ملء بطونهم من الشراب والغذاء، فهم لا يحسون بروحانية الشهر، ولا قيمة هذا الموسم الغالي عند ذوي الهمم العالية، والنفوس الرفيعة، فأولئك اللاهون العابثون لا تتحمل معدة أحدهم جوع النهار، ولا ظمأ الهواجر، وتحدثهم نفوسهم بانتهاك حرمة الشهر، بتناول المفطرات، لكن ليتذكر أولئك، حديث سيد البشر عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: "من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض، لم يقضه صوم الدهر كله وإن صامه" رواه الترمذي، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه هيأة أولئك الذين يفطرون في رمضان بلا عذر، وأطلعه الله على صفة عذابهم، فأخبر أنه سمع أصواتا شديدة، وأقواما معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، وهي تسيل دما، فسأل عنهم، فأخبر بأنهم الذين يفطرون قبل تحلة صومهم". رواه ابن خزيمة وابن حبان.
فالله الله، أيها الأخ المسلم، أفتح في بداية هذا الشهر الكريم صفحة جديدة مع خالقك، واشكره أن أنعم عليك فأدركت أول أيام هذا الشهر العظيم، ومنحك فرصة من العمر، وزمنا يمكنك أن تكثر فيه من الطاعات، التي تمحو بها تقصيرك الذي مضى، وأعمالك السيئة التي دعاك إليها الشيطان والهوى، واسأله أن يعينك على فعل الخيرات، وأداء العبادات، ويثبتك بالقول الثابت في الآخرة وفي هذه الحياة، ويرزقك الاستمرار على الأعمال الصالحة حتى الممات.