ثم اشكر الله تعالى، على نعمة التوفيق للصيام، حيث أعانك على إتمام شهر رمضان وقيامه، فإن من جملة شكر العبد لربه أن يصوم له شكرا بعد رمضان، وقد كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي، أصبح نهارها صائما، ويجعل هذا الصيام شكر الله تعالى، فلله تعالى الهمة العالية، والنفوس العظيمة، إنها تردد دائما:
إذا أنت لم تزدد على كل نعمة ... لموليكها شكرا فلست بشاكر
يقول العلامة ابن رجب رحمه الله: "على كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا، يحتاج إلى شكر عليها، ثم إن التوفيق للشكر نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى تحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبدا، فلا يقدر العبد على القيام بشكر النعم، وحقيقة الشكر: الاعتراف بالعجز عنه، كما قيل:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتصل العمر
إن مقابلة نعمة التوفيق لصيام رمضان، بفعل المعاصي، وارتكاب المخالفات والمساوي، واقتراف الذنوب بعد تلك الأيام الفاضلة والليالي، انتكاس بعد توفيق ونكوص عن الحق، وغواية وضلال، وهوفعل من بدل نعمة الله كفرا، واختار طريق الضلالة والتعاسة، بعد أن سلك سبيل الهداية والسعادة، فإن كان قد بيَّت النية في صيامه لرمضان، وعزم على معاودة المعاصي بعد انقضاء شهر الصيام والقيام، فصيامه عليه مردود، قال كعب: من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر بعد لم رمضان يعص الله، دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب، ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر عصى ربه فصيامه مردود".
إن أعمال المؤمن الصالحة ليست معلقة بانقضاء رمضان، بل إن رمضان يزيد من حيوية النفس المؤمنة، ويبعث فيها القوة والنشاط، فإذا انتهى الشهر، كان أنشط في العبادة، فيستمر على الطاعة ما دام حيا، ولذلك ورد أن الصائم بعد رمضان كالكارّ