فلا ضمان عليه، وإن أدى إلى ضرر جاره، أو إتلاف ماله فمن حفر بئر ماء، أو حش[1]، فاختل به جدار جاره فلا ضمان عليه؛ لأن منعه من هذا التصرف يضر به ضررا لا جابر له، ويكفي في جريان العادة أن يكون جنسه يفعل بين الأبنية، ومنه حداد بين بزازين.
ويتحصل من ذلك أن الشخص يكون له أن يتصرف في ملكه بما وافق العادة، وإن أضر الملك والمالك، وله أيضًا فعل ما خالفها إن لم يضر المالك، فإن كان لا يضر المالك، فلا يمنع وإن ضر المالك، أو ضر الأجنبي.
ومن ثم فيجوز للشخص في أصح القولين في المذهب أن يتخذ داره المحفوفة بالمساكن حماما، أو مدبغة أو فرنا، أو اصطبلًا بها، وله أيضا أن يتخذ حانوته في البزازين[2] حانوت حداد، وقصار ولا يمنع من ذلك بشرط أن يحكم الجدران أحكاما يليق بمقصوده؛ لأنه يتصرف في خالص ملكه، وفي منعه إضرار به، ثم إن تصرفه هذا لا يضر المالك، وإن ضر المالك بنحو رائحة كريهة.
فإن تجاوز العامة فيما ذكر ضمن الضرر الذي يلحق الجار، كأن دق دقا عنيفا أزعج الأبنية، أو حبس الماء في ملكه، فانتشرت النداوة إلى جدار جاره.
ومعنى ذلك أنه لا يمنع من التصرف في ملكه إلا إذا أضر الملك، وكان التصرف الذي صدر منه لم تجر العادة به، أما إذا جرت العادة به فلا منع ولا ضمان مطلقا.
وخلاصة القول في هذا الرأي أن الشخص يجوز له أن يتصرف في ملكه بما وافق العادة، وإن أضر الملك والمالك، وله فعل ما خالف العادة، وإن [1] الحش بضم الحاء أو فتحها بيت الخلاء الذي تقضى فيه الحاجة. [2] البزازين تجارة القماش.