الخديعة معلوم من العمومات، وقال السبكي: النزاع إنما هو في نهي خاص أما العلم بالتحريم، فلا بد منه في التأثيم قطعًا أي عند الله سبحانه وتعالى، وأما في الحكم الظاهر للقضاة، فما اشتهر تحريمه لا يحتاج فيه إلى الاعتراف بالعلم بخلاف الخفي.
ولو أذن البائع على بيعه، ارتفع التحريم وكذا المشتري في الشراء، ومحله أن يأذن لا عن ضجر ونحوه، وإلا فلا عبرة بإذنه، وقد ذكر الماوردي أنه يحرم طلب السلعة من المشتري مثلا بزيادة ربح، والبائع حاضر، وفي كلام الشافعي إذا اشترى رجل من رجل سلعة، ولم يتفرقا ينهي أن يبتاع المشتري سلعة تشبه السلعة التي اشتراها؛ لأنه ربما يحمله على رد الأولى.
النجش: وهو أن يزيد في ثمن السلعة المعروضة للبيع لا لرغبة في شرائها، بل ليغر غيره فيشتريها، وذلك منهي عنه، روى الشيخان عن ابن عمر أنه صلى لله عليه وسلم: "نهى عن النجش" [1]، وهو لغة الإثارة لما فيه من إثارة الرغبة، يقال: نجش الأثر أثاره من مكانه، وقد ذكر الزيادة؛ لأنه الغالب، وإلا فلو دفع فيها ثمنا ابتداء لا لرغبة فيها فينبغي امتناعه، نعم ينبغي أن يستثنى ما يسمى في العرف فتح الباب من عارف يرغب في فتحه؛ لأنه لمصلحة بيع السلعة؛ لأن بيعها في العادة يحتاج فيه إلى ذلك، ومدح السلعة ليرغب فيها بالكذب كالنجش، وقضيته أنه لو كان صادقًا في الوصف لم يكن مثله، وهو ظاهر؛ لأن المدح بمجرده لا يحمل المالك على الامتناع من البيع بما دفع فيها أولًا بخلاف الزيادة؛ لأن المالك إذا علم بها يمتنع في العادة من البيع بما دفع أولًا[2]. [1] الحديث متفق عليه - التلخيص الحبير ج3 ص15. [2] حاشية البجيرمي "ج2 ص86".