وهذا يدل على أنه ليس له التصرف فيما جاوز فناءه. وأما حريم المساجد والجوامع، فينظر، فإن كان الارتفاق بها مضرا بأهل الجوامع والمساج مُنِعُوا مِنْهُ، وَلَمْ يَجُزْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْذَنَ فيه، لأن المصلين بها أحق، وإن لم يكن مضرا جاز ارْتِفَاقَهُمْ بِحَرِيمِهَا. وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُ السُّلْطَانِ؟ يخرج على الوجهين في حريم الأملاك. وقد قال أحمد في رواية المروزي: في الرجل يحفر في فناء المسجد، وفي وسط المسجد بئر لماء " ما يعجبني أن يحفر، وإن حفر تطم". وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِأَفْنِيَةِ الشوارع والطرقات، نظرت، فإن كان مضرا بالمجتازين لضيق الطريق مُنِعُوا مِنْهُ، وَلَمْ يَجُزْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْذَنَ فيه، وإن لم يكن مضرا لسعة الطريق، فعلى روايتين: إحداهما: المنع.
قال في رواية إسحاق بن إبراهيم - وقد سئل عن الرجل يبيع على الطريق الواسع: هل يشتري منه، إذا لم يجد حاجته عند غيره؟ فقال " ومن يسلم من هذا؟ البيع على الطريق مكروه". وقال في موضع آخر " لا ينبغي أن يبيع على طريق المسلمين شيئا " وكرهه جدا. والثانية: الجواز. قال في رواية حرب - وقد سئل عن الرجل يسبق إلى دكاكين السوق، فقال " إذا لم يكن لأحد فمن سبق إليه غدوة فهو له إلى الليل. قال: وكان هذا في سوق المدينة فيما مضى". وهل يفتقر ذلك إلى السلطان؟ يخرّج على الوجهين. وظاهر كلامه في رواية حرب أنه لم يعتبر إذنه، وإذا اعتبرنا إذنه فهو موضع اجتهاد وهو كفهم عن التعدي، والاصلاح بينهم عند التشاجر، وإجلاس مَنْ يُجْلِسُهُ، وَمَنْعِ مَنْ يَمْنَعُهُ وَتَقْدِيمِ مَنْ يقدم، كَمَا يَجْتَهِدُ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِقْطَاعِ الموات ولا يجعل السابق أحق على هذا الوجه، وليس له أن يأخذ عَلَى الْجُلُوسِ أَجْرًا، وَإِذَا تَرَكَهُمْ عَلَى التَّرَاضِي كان السابق إلى المكان أحق من المسبوق، وإذا انصرف عنه كان هو وغيره فيه من الغد سواء يراعي السابق فيه على ظاهر كلامه في رواية حرب، لأنه لو كان أحق به أبدا خرج عن حكم الإباحة إلى حد الملك. وَأَمَّا جُلُوسُ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالتَّصَدِّي لِلتَّدْرِيسِ وَالْفُتْيَا، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زاجر من نفسه أن لَا يَتَصَدَّى لِمَا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ، فَيَضِلُّ بِهِ الْمُسْتَهْدِي، وَيَزِلُّ بِهِ الْمُسْتَرْشِدُ، وَقَدْ جَاءَ الأثر " أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى جَرَاثِيمِ جَهَنَّمَ". وقد قال أحمد في رواية صالح " ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجود القرآن، عالما بالأسانيد الصحيحة، عالما بالسنن".