فقد بين أن الأرض التي مات أربابها ولا وارث لها هي فيء للمسلمين. فأما ما انتقل إلى بيت المال في رقاب الأموال، فهل يصير وقفا بنفس الانتقال إليه؟ على وجهين: أحدهما: قد صار وقفا بعموم مصرفه الذي لا يتخصص بجهة، فعلى هذا لا يجوز بيعها. وهذا ظاهر كلام أحمد في أرض السواد " أنها صارت وقفا بنفس الفتح". وكذلك قال في رواية حرب " أرض الخراج ما فتحها المسلمون فصارت فيئا لهم وأضافوا عليها وظيفة فتلك جارية". والثاني: لَا تَصِيرُ وَقْفًا حَتَّى يَقِفَهَا الْإِمَامُ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا إذَا رَأَى بَيْعَهَا أصلح لبيت مال المسلمين، وَيَكُونُ ثَمَنُهَا مَصْرُوفًا فِي عُمُومِ الْمَصَالِحِ، وَفِي ذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ وَأَهْلِ الصَّدَقَاتِ. وقد قال أحمد في رواية عبد الله " الأرض إذا كانت عنوة هي لمن قاتل عليها، إلا أن يكون وقفها من فتحها على المسلمين كما فعل عمر بالسواد". فاعتبر إيقافه.
فأما إقْطَاعُهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ قِيلَ بِجَوَازِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُهَا وَصَرْفُ ثَمَنِهَا إلَى مَنْ يَرَاهُ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ وَأَرْبَابِ الْمَصَالِحِ جَازَ إقْطَاعُهَا لَهُ، وَيَكُونُ تَمْلِيكُ رَقَبَتِهَا كَتَمْلِيكِ ثمنها. وقيل: لا يجوز إقطاعها وَإِنْ جَازَ بَيْعُهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ، وَهَذَا الإقطاع صلة وفيه ضعف فهذا الكلام في التمليك. وَأَمَّا الْخَرَاجُ فَيَخْتَلِفُ حُكْمُ إقْطَاعِهِ بِاخْتِلَافِ حَالِ مقطعه، وله ثلاث أحوال: أحدها: أن يكون من أهل الصدقة فيجوز، لأنه صرف الفيء في أهل الصدقة.