وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِيمَا اخْتَصَّ بِالْعُمَّالِ مِنْ تَقْلِيدٍ وَعَزْلٍ، فَيَشْتَمِلُ عَلَى سِتَّةِ فُصُولٍ:
أَحَدُهَا ذكر من يصح منه تقليد العمالة، وهو معتبر بنفوذ الأمر، وجواز النظر، وكل مَنْ جَازَ نَظَرُهُ فِي عَمَلٍ نَفَذَتْ فِيهِ أَوَامِرُهُ، وَصَحَّ مِنْهُ تَقْلِيدُ الْعُمَّالِ عَلَيْهِ. وَهَذَا يَكُونُ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةٍ: إمَّا مِنْ السُّلْطَانِ المستولي على كل الأمور ن وَإِمَّا مِنْ وَزِيرِ التَّفْوِيضِ، وَإِمَّا مِنْ عَامِلِ عام العمالة، كعامل إقليم، أو مصر عظيم، يقلد في خصوص الأعمال عملا. فَأَمَّا وَزِيرُ التَّنْفِيذِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ تَقْلِيدُ عامل إلا بعد المطالعة والاستثمار.
الفصل الثَّانِي مَنْ يَصِحُّ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْعِمَالَةَ، وَهُوَ مَنْ اسْتَقَلَّ بِكِفَايَتِهِ، وَوُثِقَ بِأَمَانَتِهِ. فَإِنْ كَانَتْ عمالة تفويض تفتقر إلَى اجْتِهَادٍ، رُوعِيَ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ، وَالْإِسْلَامُ. وَإِنْ كَانَتْ عِمَالَةَ تَنْفِيذٍ لَا اجْتِهَادَ لِلْعَامِلِ فِيهَا، لم تفتقر إلى الحرية ولا الإسلام.
الفصل الثالث ذكر العمل الذي يتقلده، وَهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: تَحْدِيدُ النَّاحِيَةِ بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا. وَالثَّانِي: تَعْيِينُ الْعَمَلِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِنَظَرِهِ فِيهَا: مِنْ جباية، أو خراج، أو عشر. الثالث: الْعِلْمُ بِرُسُومِ الْعَمَلِ وَحُقُوقِهِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَنْتَفِي عَنْهُ الْجَهَالَةُ. فَإِذَا اُسْتُكْمِلَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ في عمل علم بها المولي والمولى صح التقليد ونفذ.
الفصل الرابع في النظر، ولا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يقدر بِمُدَّةٍ مَحْصُورَةِ الشُّهُورِ أَوْ السِّنِينَ. فَيَكُونُ تَقْدِيرُهَا بهذه المدة مجوزا النظر فيها، ومانعا من النظر بعد تقضيها. فلا يكون النظر في المدة المقدرة لازما من جهة المولي، وله صرفه والاستبدال بِهِ إذَا رَأَى ذَلِكَ صَلَاحًا. فَأَمَّا لُزُومُهُ مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ الْمُوَلَّى فَمُعْتَبَرٌ بِحَالٍ جَارِيَةٍ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ الْجَارِي مَعْلُومًا بِمَا تَصِحُّ بِهِ الْأُجُورُ لَزِمَهُ الْعَمَلُ فِي الْمُدَّةِ إلَى انْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّ الْعِمَالَةَ فِيهَا تَصِيرُ مِنْ الْإِجَارَاتِ الْمَحْضَةِ، وَيُؤْخَذُ الْعَامِلُ فِيهَا بِالْعَمَلِ إلَى انْقِضَائِهَا إجبارا.