responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحاوي للفتاوي نویسنده : السيوطي، جلال الدين    جلد : 1  صفحه : 26
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ» ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلْخُيَلَاءِ لَا لِلنَّجَاسَةِ ; لِأَنَّ الْجِلْدَ النَّجِسَ لَا يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ إِنَّمَا يَحْرُمُ لُبْسُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ، وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى ذَمِّ اقْتِنَائِهِ مُطْلَقًا فَعُرِفَ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ الْخُيَلَاءُ كَأَوَانِي النَّقْدَيْنِ حُرِّمَتْ لِلْخُيَلَاءِ فَحَرُمَ اقْتِنَاؤُهَا، وَأَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّهْيُ لِنَجَاسَةِ الشَّعْرِ لَمْ يَكُنْ يَمْتَنِعُ إِلَّا الْجُلُوسُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فِيهِ الشَّعْرُ خَاصَّةً، وَلَوْ قَلَبَهُ وَجَلَسَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا شَعْرَ فِيهِ لَمْ يَمْتَنِعْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَجْهَ مِنَ الْجِلْدِ قَدْ طَهُرَ بِالدِّبَاغِ قَطْعًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّهْيَ شَامِلٌ لِلْوَجْهَيْنِ مَعًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ.
وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ معاوية: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَا تَجْلِسُوا عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ» ) .
وَعِنْدَ الحارث بن أبي أسامة فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهَى أَنْ تُفْتَرَشَ مُسُوكُ السِّبَاعِ» .
فَهَذِهِ إِطْلَاقَاتٌ شَامِلَةٌ لِلْجِلْدِ بِوَجْهَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنَى السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ لَا لِلنَّجَاسَةِ، وَأَيْضًا فَلَمْ يَذْكُرِ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْجُلُوسُ عَلَى جِلْدِ الْمَيْتَةِ النَّجِسِ إِنَّمَا ذَكَرُوا تَحْرِيمَ لُبْسِهِ وَلَحَاقُ الِافْتِرَاشِ بِهِ قَدْ لَا يُسَلَّمُ، وَالْأَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ فِي النَّهْيِ عَنِ افْتِرَاشِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالْجُلُوسِ عَلَيْهَا وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لِمَعْنًى آخَرَ غَيْرِ النَّجَاسَةِ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عبد الملك بن ميسرة، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَتَاهُمْ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُمْ فِي بَعْضِ الْمَغَازِي: بَلَغَنِي أَنَّكُمْ فِي أَرْضٍ تَأْكُلُونَ طَعَامًا يُقَالُ لَهُ: الْجُبْنُ، فَانْظُرُوا مَا حَلَالُهُ مِنْ حَرَامِهِ، وَتَلْبَسُونَ الْفِرَاءَ، فَانْظُرُوا ذَكِيَّهُ مِنْ مَيِّتِهِ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عمر فِي الْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ أَيْضًا، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أبي وائل عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْفِرَاءِ: ذَكَاتُهُ دِبَاغُهُ، الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا مِنْ عمر لَيْسَ قَوْلًا بِأَنَّ الشَّعْرَ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَيَطْهُرُ بِهِ الْجِلْدُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّ الدِّبَاغَ لَا يُطَهِّرُ الْجِلْدَ أَصْلًا وَرَأْسًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَذْهَبٌ لَهُ فَكَانَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُ الْجِلْدَ وَالشَّعْرَ مَعًا، وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَا يُطَهِّرُ لَا الْجِلْدَ، وَلَا الشَّعْرَ. فَكُلُّ رِوَايَةٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى قَوْلٍ مِنْ قَوْلَيْهِ.
فَهَذَا مَا أَدَّانَا إِلَيْهِ النَّظَرُ وَالِاجْتِهَادُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَبْنَا بِهِ عَلَى حَسَبِ مَا الْتَمَسَ السَّائِلُ، وَقَدْ سَمَّيْنَا هَذَا الْكِتَابَ (تُحْفَةَ الْأَنْجَابِ بِمَسْأَلَةِ السِّنْجَابِ) وَكَانَ إِمْلَاؤُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَابِعَ مُحَرَّمٍ سَنَةَ تِسْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

نام کتاب : الحاوي للفتاوي نویسنده : السيوطي، جلال الدين    جلد : 1  صفحه : 26
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست