responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 373
لَمْ يَبْقَ إلَّا الْحِلُّ. وَالْحُرْمَةُ بَاطِلَةٌ لِانْتِفَاءِ دَلِيلِهَا نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا لَمْ يَبْقَ إلَّا الْحِلُّ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ فَنَقُولُ: الْأَصْلُ فِي الْأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ الطَّاهِرَ: مَا حَلَّ مُلَابَسَتُهُ، وَمُبَاشَرَتُهُ، وَحَمْلُهُ فِي الصَّلَاةِ. وَالنَّجِسُ بِخِلَافِهِ، وَأَكْثَرُ الْأَدِلَّةِ السَّالِفَةِ تَجْمَعُ جَمِيعَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَشْيَاءِ أَكْلًا وَشُرْبًا، وَلُبْسًا، وَمَسًّا، وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَثَبَتَ دُخُولُ الطَّهَارَةِ فِي الْحِلِّ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَالْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ نَافِلَةٌ.
الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ أَكْلِهَا، وَشُرْبِهَا؛ فَلَأَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ مُلَابَسَتُهَا، وَمُخَالَطَتُهَا الْخَلْقَ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّعَامَ يُخَالِطُ الْبَدَنَ وَيُمَازِجُهُ، وَيَنْبُتُ مِنْهُ، فَيَصِيرُ مَادَّةً وَعُنْصُرًا لَهُ، فَإِذَا كَانَ خَبِيثًا صَارَ الْبَدَنُ خَبِيثًا، فَيَسْتَوْجِبُ النَّارَ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ جِسْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» وَالْجَنَّةُ طَيِّبَةٌ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا طَيِّبٌ.
وَأَمَّا مَا يُمَاسُّ الْبَدَنَ وَيُبَاشِرُهُ فَيُؤْثَرُ أَيْضًا فِي الْبَدَنِ مِنْ ظَاهِرٍ كَتَأْثِيرِ الْأَخْبَاثِ فِي أَبْدَانِنَا، وَفِي ثِيَابِنَا الْمُتَّصِلَةِ بِأَبْدَانِنَا؛ لَكِنْ تَأْثِيرُهَا دُونَ تَأْثِيرِ الْمُخَالِطِ الْمُمَازِجِ، فَإِذَا ثَبَتَ حِلُّ مُخَالَطَةِ الشَّيْءِ وَمُمَازَجَتُهُ، فَحِلُّ مُلَابَسَتِهِ، وَمُبَاشَرَتِهِ أَوْلَى، وَهَذَا قَاطِعٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَطَرَدَ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا حَرُمَ مُبَاشَرَتُهُ وَمُلَابَسَتُهُ، حَرُمَ مُخَالَطَتُهُ وَمُمَازَجَتُهُ، وَلَا يَنْعَكِسُ، فَكُلُّ نَجِسٍ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ، وَلَيْسَ كُلُّ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ نَجِسًا، وَهَذَا فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْفُقَهَاءَ كُلَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ، وَأَنَّ النَّجَاسَاتِ مُحْصَاةٌ مُسْتَقْصَاةٌ، وَمَا خَرَجَ عَنْ الضَّبْطِ وَالْحَصْرِ فَهُوَ طَاهِرٌ، كَمَا يَقُولُونَهُ فِيمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَيُوجِبُ الْغُسْلَ، وَمَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ وَشِبْهُ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ غَايَةُ الْمُتَقَابِلَاتِ، تَجِدُ أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ فِيهَا مَحْصُورًا مَضْبُوطًا، وَالْجَانِبُ الْآخَرُ مُطْلَقٌ مُرْسَلٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْهَادِي لِلصَّوَابِ.

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 373
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست