نام کتاب : دقائق التفسير نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 314
{وَضربت عَلَيْهِم الذلة والمسكنة}
فَقَوله عقب ذَلِك من أهل الْكتاب أمة قَائِمَة لَا بُد أَن يكون متناولا للْيَهُود ثمَّ قد اتّفق الْمُسلمُونَ وَالنَّصَارَى على أَن الْيَهُود كفرُوا بالمسيح وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فيهم مُؤمن وَهَذَا مَعْلُوم بالاضطرار من دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْآيَة إِذا تناولت النَّصَارَى كَانَ حكمهم فِي ذَلِك حكم الْيَهُود وَالله تَعَالَى إِنَّمَا أثنى على من آمن من أهل الْكتاب كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِن من أهل الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْكُم وَمَا أنزل إِلَيْهِم خاشعين لله لَا يشْتَرونَ بآيَات الله ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُم أجرهم عِنْد رَبهم إِن الله سريع الْحساب}
وَقد ذكر أَكثر الْعلمَاء أَن هَذِه الْآيَة الْأُخْرَى فِي آل عمرَان نزلت فِي النَّجَاشِيّ وَنَحْوه مِمَّن آمن بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكنه لم تمكنه الْهِجْرَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا الْعَمَل بشرائع الْإِسْلَام لكَون أهل بَلَده نَصَارَى لَا يوافقونه على إِظْهَار شرائع الْإِسْلَام وَقد قيل إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا صلى عَلَيْهِ لما مَاتَ لأجل هَذَا فَإِنَّهُ لم يكن هُنَاكَ من يظْهر الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي جمَاعَة كَثِيرَة ظَاهِرَة كَمَا يُصَلِّي الْمُسلمُونَ على جنائزهم
وَلِهَذَا جعل من أهل الْكتاب مَعَ كَونه آمنا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَنْزِلَة من يُؤمن بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بِلَاد الْحَرْب وَلَا يتَمَكَّن من الْهِجْرَة إِلَى دَار الْإِسْلَام وَلَا يُمكنهُ الْعَمَل بشرائع الاسلام الظَّاهِرَة بل يعْمل مَا يُمكنهُ وَيسْقط عَنهُ مَا يعجز عَنهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} فقد يكون الرجل فِي الظَّاهِر من الْكفَّار وَهُوَ فِي الْبَاطِن مُؤمن كَمَا كَانَ مُؤمن آل فِرْعَوْن
قَالَ تَعَالَى {وَقَالَ رجل مُؤمن من آل فِرْعَوْن يكتم إيمَانه أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله وَقد جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ من ربكُم وَإِن يَك كَاذِبًا فَعَلَيهِ كذبه وَإِن يَك صَادِقا يصبكم بعض الَّذِي يَعدكُم إِن الله لَا يهدي من هُوَ مُسْرِف كَذَّاب يَا قوم لكم الْملك الْيَوْم ظَاهِرين فِي الأَرْض فَمن ينصرنا من بَأْس الله إِن جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْن مَا أريكم إِلَّا مَا أرى وَمَا أهديكم إِلَّا سَبِيل الرشاد وَقَالَ الَّذِي آمن يَا قوم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم مثل يَوْم الْأَحْزَاب مثل دأب قوم نوح وَعَاد وَثَمُود وَالَّذين من بعدهمْ وَمَا الله يُرِيد ظلما للعباد وَيَا قوم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم يَوْم التناد يَوْم تولون مُدبرين مَا لكم من الله من عَاصِم وَمن يضلل الله فَمَا لَهُ من هاد وَلَقَد جَاءَكُم يُوسُف من قبل بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زلتم فِي شكّ مِمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذا هلك قُلْتُمْ لن يبْعَث الله من بعده رَسُولا كَذَلِك يضل الله من هُوَ مُسْرِف مرتاب الَّذين يجادلون فِي آيَات}
نام کتاب : دقائق التفسير نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 314